بقلم: ناظلي أليجيك
على الرغم من الضجة الكبيرة التي أثيرت مؤخرًا حول تنصت كل من ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة على تركيا، إلا أن تصريحات رئيس الوزراء السابق رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان، حول الواقعة كانت الأغرب والأكثر إثارة للدهشة؛ إذ علق على الأمر قائلًا: “إن الدول المختلفة في جميع أنحاء العالم، التي تمتلك أجهزة استخبارات قوية، ليس هناك ما يمنعها من التنصت على الدول الأخرى”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]من الممكن أن يكون أحمد داود أوغلو قد أصدر قرارات خاطئة في السياسة الخارجية عندما كان وزيرا للخارجية قبل أن يصبح رئيسا للوزراء، ومن الممكن أيضًا أن يكون قد أصاب فيها، أو يجد الحجج ليبرر قراراته، لكنني أجد صعوبة في تقبل تبني داود أوغلو وصف عمليات “كشف الفساد” بـ”محاولة انقلاب”، والتزامِه الصمت في موقع المشاهد لعمليات اعتقال أناس أبرياء، وإيداعهم السجون.[/box][/one_third]وإذا كان الأمر يسير على هذا المنوال، فلماذا يتم اعتقال رجال الشرطة الذين يتابعون ملف التحقيق في نشاطات منظمة السلام والتوحيد الإيرانية المرتبطة بجيش القدس، بزعم تورطهم في جريمة “تجسس”.
وطالما أن الدول الكبرى تستطيع أن تتنصت على الدول الأخرى بكل حرية وفي أي وقت، فإنها في غنىً عن مسؤولي الأمن الأتراك لتسندَ إليهم مهمة التنصّت على تركيا، ورجال الشرطة المعتقلون بتهمة التجسس، وجهوا السؤال التالي لجهات التحقيق: “ما هي الوثائق التي سرّبناها، ولحساب أية دولة؟”، وطالبوا بإطلاعهم على أدلة الإدانة، إلا أن قاضي التحقيقات تجنّب حتى تسجيل نص السؤال في المحضر، فضلاً عن عدم تقديم الإجابة.
وتصريحات أردوغان حول الواقعة، التي يعتبر فيها تنصت الدول الأجنبية على تركيا أمراً طبيعيًا ومعقولاً، تكشف لنا الستار عن عبثية اتهام رجال الشرطة بالتجسُّس.
أخطاء أحمد داود أوغلو
كان الضباط المشرفون على تحقيقات الفساد والرشوة في 17-25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من بين من اعتقلتهم السلطات التركية في حملاتها الأخيرة ضد رجال الشرطة، وتغير رئيس الوزراء، لكن سياسات الإدارة العشوائية مستمرة، فقد تم وضع الحقوق على الأرفف، وخرجت العدالة في إجازة.
ومن الممكن أن يكون أحمد داود أوغلو قد أصدر قرارات خاطئة في السياسة الخارجية عندما كان وزيرا للخارجية قبل أن يصبح رئيسا للوزراء، ومن الممكن أيضًا أن يكون قد أصاب فيها، أو يجد الحجج ليبرر قراراته، لكنني أجد صعوبة في تقبل تبني داود أوغلو وصف عمليات “كشف الفساد” بـ”محاولة انقلاب”، والتزامِه الصمت في موقع المشاهد لعمليات اعتقال أناس أبرياء، وإيداعهم السجون.
البعض أصبح في حالة يرثى لها؛ إذ انسحبوا كالقطط وفضلوا الاختباء حفاظًا على أرواحهم، وبدأوا بشكلٍ غريزي يتهمون الآخرين من أجل الدفاع عن أنفسهم، وأحمد داود أوغلو شخص صادق، مؤمن، تقي، ألا يفكر في أنه يفتئت على حقوق العباد؟ ألا يخطر بباله أنه من الممكن أن تنال هذه الخبائث منه أيضاً؟ وهل منصب رئيس الوزراء مهم لهذه الدرجة بحيث ينسى العدالة والمصداقية وحقوق العباد؟
من الواضح للعيان أن داود أوغلو قد زُود بمعلومات مغلوطة؛ إذ قال في اجتماع للمجموعة البرلمانية لحزبه: “إنه تم إعداد مذكرة اتهام ضد رئيس وزراء هذه الفترة”(في إشارة إلى أردوغان)، لكن الحقيقة أنه لم يبق وقت ليجد النائب العام معمر أكتاش فرصة لتحرير مذكرة الاتهام، حيث تم سحب الملف منه فوراً، ولا يوجد هناك أي شيئ سوى أوراق وتقارير تحمل توقيع رجال الشرطة، ولا تتضمن تلك التقارير عبارة “رئيس وزراء هذه الفترة”.
واليوم لم يعد داود أوغلو وزيرًا لخارجية تركيا، بل أصبح رئيسًا للوزراء، وياليته يطلب تقارير الشرطة من النيابة العامة، ليقرأها بنفسه، أو يقرأها أحد مستشاريه بدلاً عنه؛ حتى تتجلى الحقيقة.
ومع ذلك فإنه من الممكن أن يكون رجال الشرطة، الذين أشرفوا على عمليات التنصت، قد كتبوا فعلًا عبارة “رئيس وزراء هذه الفترة” نظرًا لعدم معرفتهم بالموعد المقرر لانطلاق الحملات الأمنية المتوقعة، وهذا أمر مفهموم ومعقول، وقد أفاد يعقوب صايجلي، المدير السابق لشعبة مكافحة الجرائم المالية في إسطنبول، في أقواله أمام النيابة بمايلي:
“إن رئيس الجمهورية المنتخب رجب طيب أردوغان بتنا اليوم نصفه بـ”رئيس وزراء الفترة السابقة”، وأنا اطلعت شخصياً على هذه التقارير ولم أجد فيها إطلاقاً مقولة “رئيس وزراء هذه الفترة”أو “زعيم تنظيم”.
وقد تسبب داود أوغلو في إصابتي بخيبة الأمل، وهو يستهلك رصيد شعبيته دون تفكير، وفي الواقع كنت على قناعة بأنه سيكون شخصية مستقلة عن رئيس الجمهورية، لكنه لم يحضر مراسم حفل افتتاح السنة القضائية هذا العام، بالرغم من أن ذلك كان فرصة جيدة لإثبات أنه رئيس للحكومة وليس أمين سرها، إلا أنه لم يستغل هذه الفرصة الاستغلال الجيد.
انتخابات المجلس الأعلى للقضاة والنواب العامون ورسالة رئيس المحكمة العليا
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]من المعروف والواضح للعيان؛ أن الحكومة تسعى للتدخل في انتخابات المجلس الأعلى للقضاة والنواب العامون من خلال منصة الاتحاد داخل القضاء، فما أن تسيطر على الأغلبية في انتخابات المجلس الأعلى للقضاة والنواب العامون سيأتي الدور على القضاة والنواب العامون بعد أن يتم تصفية رجال الشرطة، وسيتم تطبيق مبدأ “تركيا الجديدة” الذي ينص على: “إما أن تكون معنا أو ضدنا؛ وإذا كنت ضدنا فأنت حشاش أو من جماعة فلانية أو انقلابي..”[/box][/one_third]إن الرسالة التي بعث بها رئيس المحكمة العليا علي ألكان، خلال حفل السنة القضائية الجديدة، قبل الانتخابات المقرر إجراؤها داخل المجلس الأعلى للقضاة والنواب العمامون تُعد مهمة للغاية، إذ قال ألكان: “إنني أخاطب جميع زملائي في الهيئات القضائية المختلفة، وخاصة من يعملون في محاكم الدرجة الأولى، إن كوننا قضاة ونواباً عامون يعد شرفاً وعزة لنا، فلا تخضعوا لأي منصب أو أي شخص كائناً من كان، واعملوا على حل المشكلات الداخلية في الجهاز القضائي، التي نعرفها جميعًا، بأنفسكم، ولا تسمحوا لأحد بأن يتدخل في مهامكم ووظائفكم، ولا تحنوا قامتكم أمام أي حل يمسّ استقلالية القضاء”.
من المعروف والواضح للعيان؛ أن الحكومة تسعى للتدخل في انتخابات المجلس الأعلى للقضاة والنواب العامون من خلال منصة الاتحاد داخل القضاء، فما أن تسيطر على الأغلبية في انتخابات المجلس الأعلى للقضاة والنواب العامون سيأتي الدور على القضاة والنواب العامون بعد أن يتم تصفية رجال الشرطة، وسيتم تطبيق مبدأ “تركيا الجديدة” الذي ينص على: “إما أن تكون معنا أو ضدنا؛ وإذا كنت ضدنا فأنت حشاش أو من جماعة فلانية أو انقلابي..”
وقد قال رئيس الوزراء السابق الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، في المطار: “من الممكن أن تأتي موجة رابعة”، وقد كان رجال الشرطة يقومون بوظائفهم ومهامهم كذراع العدالة والقضاء، وقاموا بعمليات التتبع التقني بتعليمات صادرة عن القضاة والنواب العامون، ووفقًا لما تم خلال الفترة الأخيرة من عمليات اعتقال في حق هؤلاء الضباط، فإنه من المتوقع أن يتم اعتقال القضاة والنواب العامون الذين أصدروا القرارات أيضًا، إلا أن المجلس الأعلى للقضاة والنواب العامون يقف لهم بالمرصاد، ولا يسمح لهم حتى بأن يجروا التحقيق مع أي نائب عام أو قاضٍ، ويجب عليه ألا يسمح بذلك؛ لأنه إذا تم وضع القضاة والنواب العامون في السجون واحدًا تلو الآخر، سيتم إلصاق التهم بهم، فنحن نمر بمرحلة دقيقة والأوضاع التي تشهدها البلاد اليوم أكثر تعقيدًا مما كانت عليه إبان فترة شبه الانقلاب في 28 فبراير/ شباط 1997، وإذا تم تشكيل مجلس أعلى للقضاة والنواب العامون تابع للحكومة، فإننا سنكون في مواجهة نموذج آخر من محاكم الصلح والجزاء، ومن الممكن أن تطال الموجة الرابعة هذه التي تحدّث عنها أردوغان، الجهاز القضائي والنواب العامون، بينما ستكون الموجة الخامسة ضد المؤسسات الإعلامية والصحفية.
إن أردوغان يتقدم اليوم خطوة خطوة نحو “تركيا الجديدة”، التي تعاقب كل الأفكار المعارضة، وتسمح للموالين للحكومة بالاستفادة من كل إمكانيات الدولة.
المحكمة الدستورية
ألقى رئيس المحكمة الدستورية هاشم كيليتش خطاباً في حفل نُظم في مقر البرلمان بمناسبة السنة القضائية الجديدة، وجاء خطابه مؤكّداً لما قاله رئيس هيئة أركان الجيش نجدت أوزل من أنه: “لا يمكن معاقبة الناس بدون أدلة”، فقد قال كيليتش: “ترتكب أخطاء فظيعة باتهام الناس في غياب المعلومات والوثائق التي تثبت الجريمة المرتكبة، وإن المحكمة الدستورية، وكذلك المؤسسات الأخرى، تتلقى كثيراً من البلاغات والعرائض غير الموقّعة، ويصنَّف الناس على أنهم من جماعة أو أخرى، ومن ثم يطالَب مديرُ تلك المؤسسة بعزل المصنَّفين حسب انتماءاتهم، وهذا خطأ فادح لا يمكن قبوله أبداً، وإذا كان هناك شيئ من هذا القبيل فعلا، يستلزم إبراز الأدلة والوثائق، ومن ثم إرسالها إلى الجهات المعنية لتقوم بما يلزم، ولقد تسلّمتُ أنا كذلك قائمة من هذا القبيل، إلا أنني مزّقتها ورميتها”.
وإذا كان تفكير ورأي هاشم كيليتش هكذا، فإنه من الممكن أن نستنتج أو نتلمس قرائن الحكم الذي سينزله على اعتراضات رجال الشرطة لاعتقالهم.
ومن المحتمل أن محاكمَ الصلح والجزاء التي لم يتمّ إنشاؤها إلا بعد دهس مبدأ القاضي الطبيعي بالأحذية، وغيابَ إمكانية اللجوء إلى محكمة عليا للاعتراض، ستُعتبر من طرف القضاء الأعلى مخالفاً للدستور، ذلك أن الطرق الفعالة للاعتراض على الاعتقال أوصدت في وجه رجال الشرطة، وتمّ وضع قوانين جديدة لتسويغ الدعاوى التي ستُرفع ضدهم، كما أعلن ذلك أردوغان مسبقاً، لكنني أعتقد أن المحكمة الدستورية ستصدر في قابل الأيام قراراً إيجابياً بحق رجال الشرطة المعتقلين.
صحيفة “بوجون” التركية