بقلم: أونال طانيك
أيّا كانت المعلومات التي يشكّلها الحزب الحاكم ويضعها في أُطر تتفق وأفكاره، ثم يقدمها لنا بحسب ما يحلو إليه، سنواصل الكشف عما وراء الستار في اللعبة المحاكة على أرواح مواطنينا الذين اطلق سراحهم بمجموعة من المقايضات تمت مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الإرهابي “داعش”.
بعدما بويع سيدنا علي رضي الله عنه بالخلافة سنة 35 هـ (656 م) بالمدينة المنورة، قام بعزل الولاة الأمويين الذين يحكمون في مناطق مختلفة من الدولة، وكان من بينهم معاوية بن أبي سفيان الأموي، الذي كان واليًا على الشام منذ 20 عامًا. وعلى الرغم من أن أصدقاء سيدنا علي أخبروه بأن معاوية محبوب جدًا وأن عزله من منصبه ليس صحيحًا، أعلن قرار عزل معاوية.
وفي تلك الأثناء، كان مؤيدو معاوية لا يراعون الحقوق في منطقة الشام، ووضعت الفئة التي تميل إلى معاوية بكل سهولة يدها على بضاعة من ليسوا منهم، وعجز هؤلاء عن المطالبة بحقوقهم المسلوبة منهم، حتى أن رجلاً من أهل الشام سلب ناقة أحد العراقيين وادّعى أنها جمله وليست ناقة، فذهب العراقي إلى معاوية وشكا الأمر له، فقال معاوية: الشامي على حق فالجمل له، ثم جمع الناس حوله فقال: “أيها الناس، إن هذا الجمل لهذا الرجل (وأشار إلى من سلب الناقة) وإنه جمل وليس ناقة”، فصاح عشرات الآلاف من الناس المجتمعين: “أجل إنه لهذا الرجل وهو جمل وليس ناقة”، ثم التفت معاوية إلى العراقي وقال له: “اذهب وأخبر عليًا أن معاوية لديه عشرات الآلاف من الناس يصدقون كل ما يقول”.
تم احضار الرهائن البالغ عددهم 46 دبلوماسيًا تركيًا المحتجزين في يد داعش إلى تركيا يوم السبت الماضي. ولا شك أن احضارههم سالمين هي نتيجة تبعث على الفرح والسرور، وهل يمكن ألا نفرح لهذا؟ إلا أن فرحتنا بإنقاذهم لا تكفي، وبئس حالكم إن لم تنضموا لكورال الذين يصفقون للحزب الحاكم، عندها ستُتهمون بخيانة الوطن وستُحرمون من حق العيش، إذ أن ثمة رغبة في تصديقنا للتصريحات التي تخرج من الأفواه الرسمية دون أن نتحرى مدى مصداقيتها، وأن نصفق لهم كالمختلين عقليًا.
عندما وضع مقاتلو تنظيم داعش الإرهابي الذي يتقدم كيأجوج ومأجوج في داخل المدن العراقية، مدينة الموصل على قائمة أهدافهم، غادر المحافظ اثيل النجيفي المدينة على الفور بعدما أدرك أنه وصل به الأمر إلى عدم القدرة على حمايتها.
كما أوضح مسعود بارزاني لأنقرة أن مدينة الموصل تشهد انفلاتا أمنيا قبل أيام من سيطرة داعش على المدينة، وردت أنقرة على تحذيرات بارزاني بأن كل شيء على ما يرام ورجاءً لا تتدخل، ونشر هذا الرد بالصحف مع الأيام التي تم فيها اقتحام القنصلية التركية.
وصاح سنان أوغان النائب في البرلمان التركي عن حزب الحركة القومية، الذي يمتلك معلومات دقيقة عن المنطقة، أثناء القاء كلمة له قبل اقتحام القنصلية بـ 18 ساعة، وبمجرد أن لفت إلى أن هدف داعش هو القنصلية التركية بمدينة الموصل، عارضه نائب حزب العدالة والتنمية، الحاكم، بولنت توران، وضرب بتحذيراته عرض الحائط، وقال له: “دعك من هذا الكلام الفارغ واترك مكانك” ،ووقعت الطامة الكبرى واحتجز داعش 49 دبلوماسيًا من القنصلية، من بينهم 3 موظفين عراقيين، وتبين بعد ذلك أن الآذان قد صُمّت عن التحذيرات، وأن أنقرة هي التي أصدرت تعليمات للقنصل العام أوزتورك يلماز بعدم مغادرة القنصلية وإخلائها والانتظار فيها.
نعم، وكما أوضحت آنفا، فإن إحضار المواطنين الرهائن إلى تركيا سالمين أمرٌ في غاية الأهمية، ومن هنا يمكن التكهن بأنه تم عمل مقايضات مع مسلحي تنظيم داعش الإرهابي لسلامة أرواحهم وتمت مبادلات مع بعض الأسماء كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق.
كشف الكاتب عبدالقادر سالوي الكاتب بصحيفة “يني شفق” التركية اليومية، الموالية لحكومة حزب العدالة والتنمية، يوم الأثنين الماضي، عن تفاصيل عملية تحرير موظفي القنصلية التركية الـ49 المختطفين من قبل تنظيم داعش الإرهابي، منذ 101 يوم، وأنها جاءت عقب مقايضات مقابل بعض مقاتلي ومسلحي التنظيم المهمين، بيد أن غض الطرف عن جميع هذه الأخطاء والتصفيق لتسليم الرهائن على حدودنا نتيجة مقايضات، ليس له مكان على الإطلاق في معايير الصحافة التي نعرفها.
وكما تتذكرون تم اقتحام القنصلية التركية في مدينة الموصل في 11 يونيو/ حزيران الماضي، ونقلت وسائل الإعلام الخبر غداة الاقتحام، وكنتُ قد تطرقتُ في مقالي الصادر في اليوم التالي إلى اللعبة المحاكة على الرهائن، وأعتقد أنكم قرأتم في ذلك اليوم تعليقات هؤلاء المنجرفين وراء الحزب الحاكم على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيّا كانت المعلومات التي يشكّلها الحزب الحاكم ويضعها في أُطر تتفق وأفكاره، ثم يقدمها لنا بحسب ما يحلو له، سنواصل الكشف عما وراء الستار في اللعبة المحاكة على أرواح مواطنينا الذين اطلق سراحهم بمجموعة من المقايضات تمت مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الإرهابي “داعش”.
وحتى ولو كان يقف وراء كل شيء تقولونه الملايين، سنواصل الكشف عن أخطائكم وألاعيبكم.