إسطنبول (زمان عربي) – اعتبر الكاتب البارز فاتح ألطايلي، أحد كتّاب صحيفة “خبرتورك” التركية، عبارة “تركيا الجديدة” التي تتردد على لسان كل من رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، عبارة كوميدية تدعو للسخرية.
وجاء في مقال كتبه ألطايلي بالصحيفة ما يلي:
“والله، تالله، أرى من وجهة نظري الشخصية أن عبارة” تركيا الجديدة” تحمل في طياتها الكثير من الكوميديا والسخرية، وكأنها مسلسل كوميدي سخيف إلى أبعد الحدود، استحلفكم بالله أن تكونوا صادقين وتقولوا لنا هل آل الوضع بهذه الدولة، تركيا، إلى أن تكون مدعاة للسخرية إلى هذا الحد؟!
“لا أريد ان أعود إلى الوراء كثيرًا، وأذكر أحداثاً تئن لها القلوب، وسأكتفي بإطلاعكم على تلك المشاهد التي عرضت في الحلقات الثلاث الأخيرة من المسلسل الكوميدي “تركيا الجديدة”، والتي تعتبر كل واحدة منها نتاج عقل ذكي:
– في مسلسل تركيا الجديدة؛ يتكلم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان عن أجهزة الآيفون في اجتماع غاية في الأهمية، ويقول: “ليس ثمة فارق بين الأجهزة القديمة وتلك الصادرة حديثًا، ويلزم ألا ندفع أموالا لنشتريها دون جدوى”.
– في مسلسل تركيا الجديدة؛ يصرّح رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بأنه سيحمي أرباب الحرف والبقالين من مراكز التسوق، وفي أعقابها ينصح الناس قبل فتح مركز للتسوق بأن يدعوا جميعًا للمركز ليقوم بأعمال كبيرة.
– إن نائب رئيس الوزراء يالتشين أكدوغان الذي كان كاتب سيناريو مسلسل “تركيا الجديدة” ومستشاره والمكلفَ بتسوية المسألة الكردية، ثم أصبح اليوم من اللاعبين الأساسيين الذين يتقلدون أدواراً رئيسة، أصدر تعليمات إلى مقاتلي منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية بالحرب على داعش، حيث قال لهم إن بلدة قنديل ليست مكانا للنوم والخلود، هيا انهضوا وحاربوا تنظيم داعش.
– ولم تمضِ ساعات على تصريحات أكدوغان، حتى قال رئيس جمهورية مسلسل تركيا الجديدة “إن الذين يعارضون داعش لماذا يا تُرى لا يعارضون حزب العمال الكردستاني، أَليس هو الآخر منظمة إرهابية؟” ،وفي هذه الأثناء، قرر وفد من النوّاب أن يذهب إلى زيارة الزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني “عبد الله أوجلان” في محبسه تحت إشراف جهاز الاستخبارات الوطني، إلا أنه لم يستطع الذهاب لسوء الأحوال الجوية.
– تُعقد انتخابات لاختيار قضاة المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العموم الذي سيكون على رأس القضاء المستقل، بيد أن الحزب الحاكم يقوم في مسلسل تركيا الجديدة بدور غاية في الغرابة ويقول: “إن لم يفز ما نريده فتعتبر الانتخابات باطلة”.
– قال رئيس الوزراء داوداوغلو في المنتدى الاقتصادي العالمي، لم نر دعما من أوروبا لموقفنا المؤيد للديمقراطية، في حين أن رئيس لجنة الاتحاد الأوروبي يوجه انتقادات لتركيا في المجال ذاته.
أقسم بأنني لم أشاهد في حياتي مسلسلا سخيفا أكثر إضحاكًا من هذا، وأنا شخصيًا أموت من الضحك كلما شاهدت هذا المسلسل، إلا أن هذا المسلسل له جانب سلبي واحد؛ ألا وهو أنه حقيقي نعيشه فعلاً.
ماذا لو كانت الولايات المتحدة تنصتت على أكدوغان؟
والآن إليكم سؤال: “ماذا لو أخذت منظمة حزب العمال الكردستاني دعوة أكدوغان على محمل الجد وقالت: “طيب، سأتوجه إلى سوريا لقتال عناصر داعش”.
ولعل أكدوغان لا يدرك، إلا أن أحد أجنحة حزب العمال الكردستاني يحارب داعش فعلاً، ولنفرض جدلا أن العمال الكردستاني فعل ما قاله أكدوغان، وأعلن حربه على داعش، لكن ماذا لو اتصل مراد كارايلان، أحد كبار قادة منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، برئيس الأركان العامة الأمريكي وقال له: ” إننا مستعدون لتقديم الدعم للعملية البرية، ولكننا بحاجة إلى أسلحة”.
أو إذا قالت الولايات المتحدة: “انظروا، فتركيا هي الأخرى راغبة في ذلك، هيّا لنزوّدكم بالأسلحة والذخيرة ولتنضموا إلى التحالف الدولي لضرب داعش”، وقررت أن تمد العمال الكردستاني بالأسلحة؛ وبدأت ترسل مدرعات ومدافع ثقيلة وصواريخ موجهة بتكنولوجيا حديثة وأسلحة خفيفة وذخائر.
ماذا ستقول تركيا عندئذ يا تُرى!
وإذا ما اعترضت تركيا على ذلك ألا تقول عندئذ الولايات المتحدة: “إن وزيركم المفوض هو من قال وطالب بذلك، ونحن قدمنا لكم الدعم فقط” ،هذا فضلا عن أنه ليس ثمة احتمال لوقف شحنات الأسلحة التي سترسلها الولايات المتحدة إلى سوريا، مثل الشاحنات التي أرسلتها تركيا لسوريا تحت غطاء “إعانات إنسانية”، لأنها سترسلها عبر العراق، وحتى إن أوقفتها تركيا ستغلق الولايات المتحدة الموضوع قائلة: “الشاحنات داخلها إعانات إنسانية، والذين أوقفوها هم المنتمون للكيان الموازي”.
وهل يا تُرى وضَع أكدوغان في حسبانه كل هذا وهو يعطي حزب العمال الكردستاني التعليمات بالحرب على داعش؟ وهل أدرك أنه وهب للعمال الكردستاني موقعاً مختلفاً للغاية على الصعيد الدولي؟