بقلم: محمد يلماظ
قال صلاح الدين دميرطاش أحد رؤساء حزب الشعوب الديموقراطية الكردي، وسط اشتعال أحداث العنف والمظاهرات الكردية التي انتشرت في ربوع البلاد اعتراضًا على الموقف التركي تجاه هجوم داعش على بلدة عين العرب (كوباني) ذات الأغلبية الكردية في شمال سوريا، إن أحداث التخريب والجرائم هي أعمال نتجت عن الاستفزازات والتحريضات.
وإذا استمعنا إلى الحكومة وألقينا النظر على وسائل الإعلام والصحافة الموالية لها، نجد أن “لوبي الفوضى” هم من يقفون وراء هذه الأحداث، وهدفهم هو إفشال مفاوضات السلام، كما أن رئيس الجمهورية، أكبر أعضاء فريق الجوقة هذا، يقول الشئ نفسه كذلك، فقد عمد من يحلمون بإفساد عملية السلام بين الحكومة والأكراد، على إنزال المواطنين إلى الشارع، لتنقل وسائل الإعلام صور ومشاهد العنف والتخريب، أمام الرأي العام! وقد تم إيقاظ الخلايا النائمة في البلاد، وخرج المحرضون الأجانب إلى ساحة اللعبة. وكما جرت العادة،وحسب الموضة الجديدة يمكن إيجاد ما يطلقون عليه الكيان الموازي في هذه الأحداث مثل غيره، ويرى البعض أن الكيان الموازي يقف وراء هذه الأحداث أيضا.
حتى أن الشخص الذي يعيش في بنسيلفانيا، والذي كانوا ينادونه قديمًا بالأستاذ المعلم (العلامة الأستاذ فتح الله كولن)، ألقى موعظة عن النفاق، وحاول أن يثير غضب الشعب التركي على الحكومة الحالية في زعمهم.
ومختصر القول فإنه وفقًا للمقربين من الحكومة والإعلام الموالي لها فإن المتسببين في اشتعال الأحداث هم: “الاتفاق” القذر” المكون من القوى التي تعمل في الظلام، ولوبي الفوضى الذي يتخذ من أزمة عين العرب (كوباني) ذريعة لإحداث الفوضى، والذين فشلوا في الوصول إلى أغراضهم المأمولة من مظاهرات متنزه جيزي العام الماضي، والكيان الموازي، وأصحاب التغريدات في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، ووسائل الإعلام الأجنبية”.
وكما ترون، فالحكومة لا ذنب لها اطلاقا، فهي بريئة، وأصبح حزب الشعوب الديموقراطية الكردي كبش فداء للتحريضات، وذلك وضع أصبح معتادا عليه في بلادنا ويستمر سريان صلاحيته دائما، اختلاق مسؤول خيالي، كهذا، مع تجريد المسؤول نفسه مما يجري وتحميل الوزر للآخرين.
ولكننا نعلم رغم كثرة عدد محبي قصص المؤامرات والمستعدين لتصديقها دائما يبدو كل شيء كما هو عليه في الحقيقة أحيانا.
ولو كان حزب الشعوب الديمقراطية على قدر الوعي بالمسؤولية، وقام بتنظيم مظاهرة في الهواء الطلق،كي يسهل اتخاذ التدابير الأمنية بدلا عن دعوة مؤيديه للنزول إلى الشوارع، فماذا كان يستطيع المحرضون أن يفعلوا في هذه الحالة؟
فليست هذه هي المرة الأولى التي ينظم فيها هذا الحزب السياسي أو الحركة السياسية تجمعات جماهيرية، أو اجتماعات، أو مظاهرات، أو مسيرات، فأي من فعالياته السابقة أسفرت نتيجة كهذه؟
والآن فلنتطرق إلى من يلقي اللوم على “الاتفاق القذر” ..هل كنا نتوقع منهم أن يقولوا “إن كل هذا نتيجة السياسات الحمقاء التي اقترفها أصدقاؤنا في موضوع سوريا “.
ولذلك فإن بعد كل فشل وإخفاق يذوقونه يخترعون لوبي جديدا، يعلقون عليه خيبتهم، وهذه المرة نجد أنفسنا أمام “لوبي الفوضى”.
فلو كانت الحكومة من اليوم الأول، وفي البداية، قد أعلنت، وبشكلٍ واضح وصريح، أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تنظيم إرهابي، وما كانت أعارت أية أهمية للهراء والهزيان من قبيل: “لابد من النظر إلى أسباب وجود ذلك”، هل كان للأكراد أن يفكروا أن تركيا تدعم داعش؟
لو ما كان الغرض من مفاوضات السلام بين الحكومة التركية والأكراد، هو تسيير الأمور في البلاد حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية فقط، ولو عاشت تركيا انفتاحا حقيقيا في الديمقراطية ، هل كانت مسيرة السلام بهذا القدر من الهشاشة؟! فلولا سياساتكم التي حولت حدودنا مع سوريا إلى ما يشبه مدينة” بيشاور” الباكستانية، لما كان هناك داعش، وما كانت المنطقة تعيش هذه التطورات وما كانت تشهد كل هذه الأحداث.
وإن كنتم قد اخترتم المسؤولين الإداريين، ومدراء الأمن، ومسؤولي الشرطة، حتى أفراد الشرطة كذلك، وفقًا لمبدأ “هذا منَّا، وذاك ليس منا”، بدلا عن اختيارهم بناء على مهاراتهم وقدراتهم، كان عليكم أن تكونوا مستعدين لرؤية نتيجة مثل هذه؟
أليس للمدراء غير الأكفاء، وقادة الشرطة الفاشلين الذين اخترتم وفق المبدأ المذكور أي دور في تطور الأحداث إلى هذه الدرجة؟
فإذا كنتم تبحثون عن لوبي الفوضى، فعليكم أن تعودوا إلى أنفسكم وتنظروا في المرآة! في الواقع، أنا أطلق على ما سترونه” لوبي الفشل”، ولكن على أي؛ فما أهمية المسميات؟
أي أن كل شئ على ما يبدو عليه!
عدم البصيرة التي نتجت عن اتباع سياسات خارجية مذهبية، وعدم القدرة على معرفة حدود القوى الذاتية، ومحاولة التقليد لمن ليس بإمكانك أن تكون مثله، ومخادعة الشعب منذ سنوات بمزاعم” مفاوضات السلام” ،وعدم تمكن وضع نتيجة ملموسة أمام الرأي العام، والتصرف بالحزبية في إدارة الدولة، ودعوة الحشود التي لا تستطيع السيطرة عليها للنزول إلى الشوارع، والرغبة في أخذ نتيجة سياسية باستغلالهم، عدم القدرة على التنبؤ والتوقع بكيفية تطور الأحداث وإلى ما سيؤدي من نتائج.
فمسئولية عمليات التخريب هذه، وأعمال العنف، وأرواح من سقطوا قتلى في هذه الأحداث، معلقة في رقاب هؤلاء.
هناك تحريف، ولكن عند من؟
لقد نشر “أمرالله إيشلار”، نائب رئيس الوزراء السابق رجب طيب أردوغان، قبل أن يتولى رئاسة الجمهورية، أثناء فترة توليه رئاسة الوزراء، تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، عقب اندلاع الأحداث والاحتجاجات المنددة بالموقف التركي تجاه هجوم داعش على عين العرب (كوباني). وكان مضمون رسالته كالتالي:
“على ما يبدو فإن الذين يتعمدون النيل من استقرار البلاد، يفتخرون بأنفسهم على ما فعلوا إذ أزهقوا أرواحا جديدة، وأبكوا الأمهات مرة أخرى، فماذا كان ذنب الشاب الذي دهس رأسه بالحجر حتى قتله؟ لا يمكن مقارنة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بهؤلاء إنه (داعش) أيضا يقتل، إلا إنه لا يمارس التعذيب”.
إن إيشلار، قام على الفور بمسح هذه التغريدة بعد أن تعرض لموجة انتقادات قوية، على جزء الرسالة “إن (داعش) أيضا يقتل، إلا إنه لا يمارس التعذيب”على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. ثم عقب عليها بإيضاح نشره كالتالي: “لقد عمد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية، وعلى رأسهم الكيان الموازي، إلى تحريف رسالتي”.
وها أنا قدمت لكم نص الرسالة التي نشرها على حسابه الخاص على موقع تويتر، والتي يدعي صاحبها تحريفها من قبل البعض، لكن أين هو التحريف في ذلك؟ فهو يقولها صراحة “إن تنظيم الدولة الإسلامية يقتل، ولكنه على الأقل لا يقوم بعمليات تعذيب”!
فهل يريد أن يقول: “إن داعش يقطع رؤوس من مخالفيه أحياء، لكنهم مع ذلك إرهابيون أصحاب ضمير حي وذوي حس مرهف”؟ أم أنه يستطيع كتابة ذلك لأنه يرى مسلحي داعش على حق فيما يفعلونه، بناء على مشاعره الدفينه تجاههم؟
ياليته يخرج علينا ويوضح لنا ما الذي تعرض للتحريف الذي يقصده في هذه الرسالة! ولكنه لن يستطيع القيام بذلك؛ لأن ما كتبه واضحٌ وظاهر للعيان أمام الجميع.
كان الأولى له وما يجب عليه قوله هو: “أنا آسف، لقد اقترفت خطيئة أو إثمًا، أو ليقل كتبت ذلك عن غير قصد في وقت غفلة”..وغيرها، مستخدما الأساليب المتحضرة لتقديم اعتذاره، إلا أنه اختار أن يلفق للكيان الموازي ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، تحريف وتأويل رسالته!
وإذا نظرنا إلى حقيقة الأمر وأردنا الحديث عن التحريف، فربما يكون التحريف بعينه أن هذا الرجل كان في يوم من الأيام يشغل منصب نائب رئيس وزراء تركيا ..لأن هذا وحده، وضع فوق الحقيقة!
من صحيفة “حريت” التركية