إسطنبول (زمان عربي) دفع سوء الأوضاع الاقتصادية في تركيا وغياب السياسات الناجحة في الإدارة، عددا من الخبراء إلى تقليل توقعاتهم بشأن الاقتصاد التركي.
وأعرب الخبير الاقتصادي، سليمان يشار، الذي كان يرى قديمًا أن السياسات الاقتصادية لحكومة العدالة والتنمية ناجحة، عن قلقه البالغ من إمكانية أن تتسبب فكرة الدولة القمعية في عدد من الأزمات الاقتصادية.
وأوضح يشار أن آمال رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في رفع الصادرات التركية إلى 500 مليار دولار، وزيادة الدخل القومي للفرد إلى نحو 25 ألف دولار سنويًا، ودخول تركيا في قائمة أفضل 10 اقتصادات عالمية بحلول عام 2023، يعد “محض خيال”، ولا يمكن تحقيقه.
وسليمان يشار هو كاتب صحفي وبيروقراطي قديم، ويواصل الآن إلقاء المحاضرات في جامعة إسطنبول، بصفته عضو هيئة تدريس بالجامعة، بجانب مقالاته الاقتصادية التي تنشر بشكل دوري في صحيفة “طرف” التركية اليومية.
وبدأ يشار، المعروف في الأوساط الاقتصادية بالكاتب الذي جعل أردوغان يرفض التوقيع على اتفاقية صندوق النقد الدولي، في توجيه انتقاداته للسياسات الاقتصادية لحكومة حزب العدالة والتنمية الحالية.. وفيما يلي حوار معه.
البعض يرى أن الأزمة الاقتصادية على الأبواب.. ومسئولو الحكومة يزعمون أن كل شئ يسير على ما يرام، مارأيك؟
إن معدلات النمو، وزيادة نصيب الفرد من الدخل القومي، ونسب البطالة ومعدلات التضخم، تأتي على رأس المعايير التي يقاس بها الآداء الاقتصادي، من أجل الوقوف على الوضع الاقتصادي للبلاد.
والمؤشرات الحالية التي يصدرها الاقتصاد التركي، تشير إلى حدوث هبوط وتراجع في الاقتصاد بشكل ملحوظ، فقد سجل نصيب الفرد من الدخل القومي، تراجعًا وصل إلى 300 دولار، إذ سجل نصيب الفرد خلال العام الماضي نحو 10 آلاف و780 دولارا، بينما انخفض هذا العام إلى 10 آلاف و500 دولار.
كما اضطر البنك المركزي التركي لتغيير توقعاته للاقتصاد في البلاد، خلال العام الجاري، وغير توقعاته حول مؤشر التضخم في البلاد من 5% إلى 7.6%، بعد ذلك ارتفع هذا الرقم إلى 9.4%.
فكل من تباطؤ نمو الاقتصاد التركي، وزيادة نسب التضخم، بالإضافة إلى تراجع نصيب الفرد من الدخل القومي، يشير إلى وضع الاقتصاد التركي غير الجيد، خلال الفترة الحالية.
حسنا، هل هذه تعتبر أزمة اقتصادية؟
لا يمكننا تقييم الوضع الحالي على أنه أزمة اقتصادية تضرب الاقتصاد التركي، لكن في حال استمرار انخفاض الآداء السيئ للاقتصاد، وتراجع رأس المال والاستثمارات الأجنبية، واستمرار تخويف رجال الأعمال، والضغوط التي تمارس عليهم، بالإضافة إلى عدم القدرة على التنبؤ بالإجراءات القانونية، واستمرار مضايقة المستثمرين بعمليات التفتيش والمراقبة المعتمدة على الأهواء، أو بشكل مختصر “استمرار مفهوم الدولة القمعية” في النواحي الاقتصادية، قد يتسبب في دخول الاقتصاد التركي في أزمة اقتصادية جديدة.
وأوضح صندوق النقد الدوليIMF أن الاقتصاد التركي يحتاج سنويًا نحو 25% من النقد الأجنبي، أي ما يعادل تقريبًا 200 مليار دولار سنويًا، مشيرًا إلى أن 130 مليار دولار من هذا النقد الأجنبي تمثل في الديون الخارجية قصيرة المدى، وأنه في حالة عدم سداد هذه الديون في وقتها المحدد، فإن هذا قد يدفع الاقتصاد إلى الدخول في أزمة جديدة، فهذا يُعد خطرًا يهدد الاقتصاد التركي.
كما أن بنوك الدولة رفعت نسبة الديون الخارجية قصيرة المدى أي الأموال الساخنة إلى 52% المستحقة في الـ15 شهر الأخيرة. أي أن العمليات التي تقوم بها البنوك الحكومية في الاقتراض من الأموال الساخنة، واستثمارها في مجالات غير ناجحة، قد تسبب في مشكلة كبيرة في إعادة هذه الأموال مرة أخرى.
أين تصرف الديون قصيرة المدى التي تم الحصول عليها؟
نحن نشهد وجود حالة من الإسراف في الإنفاق العام. فعند إمعان النظر في فواتير الاقتصاد التركي في الفترة الأخيرة، وفي تكاليف بناء قصر الرئاسة الجديد، الذي أصدر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان قرارًا بالبدء فيه، بالإضافة إلى الطائرات الفارهة، مثل طائرة رئاسة الجمهورية الجديدة التي ضمها لأسطوله مؤخرًا بقيمة 400 مليون دولار، وغيرها من المصروفات غير المبررة، ندرك ماهو مصير أموال الديون الخارجية قصير المدى، وقد تخطت المصروفات الترفيهية حاجز المليار دولار.
ويشير عدد من التقارير الاقتصادية أن هذه المصروفات الباهظة تمت من خلال البنوك الحكومية التي حصلت على ديون قصيرة المدى، من عمليات الأموال الساخنة، وبناء عليه نجد أن الاقتصاد التركي يواجه مخاطر جديدة من ناحية الإنفاق العام للدولة.
هل يوجد عجز بالموازنة؟
الآن لا يواجه الاقتصاد التركي عجزا كبيرا في الموازنة العامة للدولة، إلا أن الوضع مشابه لما كان عليه في الفترة ما قبل أزمة 2001، التي ضربت الاقتصاد التركي، عندما بدأ استخدام البنوك العامة بالشكل نفسه، فالبنوك في وضعها الحالي تواجه صعوبات في سداد الديون الخارجية قصيرة المدى التي حصلت عليها.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أنه في حال الحصول على ديون خارجية، فإن هذا يستوجب استثمار هذه الأموال في عدد من المجالات المثمرة والمجدية، للتمكن من سدادها في المواعيد المستحقة لها، بيد أن عمليات إنفاق أموال الديون الخارجية قصيرة المدى، في أعمال ترفيهة مثل قصر الرئاسة الجديدة، واستيراد الطائرات الفاخرة، تعد إنفاقا لا عائد منه، وقد يزج بالإنفاق العام للدولة في أزمة جديدة، مثلما حدث في الفترة ما قبل أزمة 2001، التي كادت أن تعصف بالاقتصاد في ذلك الوقت.
وعمدت البنوك العامة إلى نقل الأصول والموجودات ذات العوائد والفائدة العالية، إلى خزانة الدولة، بالإضافة إلى تقديم قروض ميسرة ذات فوائد منخفضة لبعض القطاعات، وتعويض هذا الفارق في أسعار الفائدة من خزينة الدولة، وواجهت مشكلة في إعادة هذه الأموال؛ ونتيجة لذلك دخل النظام المصرفي في البلاد في دوامة أزمة جديدة، والآن نرى نفس التصرفات ونفس العمليات تتم داخل القطاع المصرفي وأركان الاقتصاد التركي.
يقال إن الديون الخارجية هي القروض الإئتمانية للمواطنين، ولكن…
إن حصة القطاع العام من القروض الخارجية قصيرة المدى، التي وصلت إلى 130 مليار دولار، قليلة، إلا أنها بدأت في الزيادة خلال الفترة الماضية، وبناء عليه فإن القطاع العام أيضًا يغوص في ديون الأموال الساخنة، وللدولة ومؤسساتها دور في استدانة المواطنين بقروض قصيرة المدى، فقد مهدت الحكومة الطريق للاستدانة من عمليات الأموال الساخنة، وأبعدت هذه السياسات الصادراتِ من حيز الربح، وحولت عمليات الاستيراد إلى عمليات رابحة، بالإضافة إلى تسليم الاقتصاد إلى لوبي وعصابات الفائدة.
كيف استسلمت الحكومة للوبي الفائدة، التي طالما قالت إنه يثير الضجة في البلاد؟
إن الحكومة التي طالما زعمت أن لوبي وعصابات الفائدة يشوهون اقتصاد البلاد، هي نفسها من استسلمت لهذا اللوبي، وقدمت له اقتصاد البلاد على طبق من الذهب. فالحكومة والحزب الحاكم يتورطان في تعاون مع لوبي الفائدة، والحكومة تعانى ازدواجية مستمرة في تصريحاتها،إنها تقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول، وهناك حالة من التناقض وعدم التطابق بين أقوالها وأفعالها، ففي الوقت الذي تزعم فيه الحكومة تدخل لوبي الفائدة في الاقتصاد، هي نفسها تتعاون معه.
وقد كشفت هيئة حماية المنافسة عن اتفاق بين البنوك بعضها البعض، لفرض رسوم فائدة منخفضة على الأصول، ورفعها على قروض المستهلك، وقروض الكروت الائتمانية، وأوضحت أن البنوك العامة كانت بين البنوك المذكورة في هذه العمليات.
يشار إلى أن البنوك الحكومية تمثل نحو 50% من النظام المصرفي التركي، أي أنه إذا كانت الدولة تسمح لها في الدخول في اتفاقات مخططة، فإن هذا يعني بالضرورة أن الدولة تتورط في عمليات تعاون مع لوبي الفائدة.
هل هذا هو السبب الخفي وراء عدم الرغبة في خصخصة البنوك العامة؟
وفقًا للقانون رقم 4603، يتعين خصخصة كل من بنكي الزراعة والشعب الحكوميين. وحتى الآن وبعد مرور 14 عامًا على إصدار هذا القانون، لم تتم عملية الخصخصة التي ينص عليها القانون حتى الآن، والحكومة الحالية تدخل في عمليات تعاون مع لوبي الفائدة عن طريق البنوك الحكومية، مستغلة المواطن البسيط.
والوضع الحالي هو، أن الحكومة تحاول الدخول في القطاع المصرفي بدون فائدة التأمين وهناك بنوك عامة وشركات التأمين التابعة التي تنتظر الخصخصة، ما شأن الدولة بالبنوك وشركات التأمين ولماذا تحتاج لتملكها؟
إن كنتم تقومون بوضع مؤسسة كمؤسسة مراقبة وتنسيق القطاع المصرفي BDDK، وأنتم أصحاب القرار والتأثير في سير الأمور كلها، وليس هناك تفسير لدخول الدولة إلى السوق والقطاع المصرفي مرة أخرى.
وإذا شاركتم كحكومة في السوق، فإن ذلك يعني وجود مصالح معيّنة لكم، وأنكم تسعون لحماية مصالح مجموعة معينة من الأشخاص، وهذا أيضًا يعد مؤشرًا على حالة عدم التوافق والتطابق بين الأفعال والأقول.
ما الذي تنتقدونه في السياسات الاقتصادية المتبعة اليوم؟
منذ أن جاء حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم عام 2002، وحتى الآن ومعدلات إنتاج المحاصيل الزراعية ومن بينها القمح، مازالت كما هي دون أي تغيير، بل وشهد انتاج القمح والشعير انخفاضًا ملحوظًا خلال الفترة الماضية، وطوال الـ12 عامًا الماضية، لم يدخل استثمار واحد في مجال المنتجات التصديرية، بالإضافة إلى توقف صناعات التصدير الزراعي، وعدم تمكن من إنهاء مشروع جنوب الأناضول، ومشروع منطقة كونيا لزيادة الإنتاج الزراعي ولم تحظ صناعة الإنتاج بالاهتمام المطلوب.
وقد زاد الدخل، وزاد عدد السكان، إلا أن انتاج البلاد من الحبوب لايزال منخفضا. وهذا يؤدي إلى ظهور كيان يجعل الإستيراد عملية مربحة، وذلك يجعل النقد قيما بتقديم قروض ذات فوائد عالية، لتخرج عمليات التصدير من مصدر للربح إلى مصدر للخسارة. وهذا أيضًا يتسبب في تعميق العجز في الحساب الجاري، ورفع نسب التضخم في الاقتصاد، بالإضافة إلى زيادة معدلات البطالة في البلاد.
وقد وصلت معدلات البطالة إلى نحو 9.05% خلال العام الجاري، وحتى يعتبر أداء أية سلطة أو حكومة ناجحا اقتصاديًا، يجب عليها أن تحافظ على معدلات البطالة في مستويات منخفضة، لكن حزب العدالة والتنمية عندما جاء إلى سدة الحكم في عام 2002، كانت معدلات البطالة نحو 9%، وبعد مرور 12 عامًا على توليه الحكم، لم تتغير هذه النسب. وذلك يعد إشارة لإخفاق الحكومة في مجال الاقتصاد.
تورجوت أوزال وعدنان مندريس لم يكونا مولعين بحياة المترفين
يُقال إن هذه الفترة هي امتداد لفترتي مندريس وأوزال، والحزب الحاكم الحالي يردد ذلك دائمًا في ميادين الانتخابات، وعند النظر بتمعن نجد أن هذا لا صلة له بالواقع، فكل من الرئيسين عدنان مندريس وتورجوت أوزال، لم يكونا على هذا القدر من الولع بحياة الترف. وفضلا الحياة البسيطة المتواضعة، فلم يصدرا أوامر ببناء قصور رئاسية جديدة، أو تخصيص طائرات فارهة تابعة لرئاسة الجمهورية دون الحاجة إليها، واكتفيا باستخدام ما هو قائم من قصور وطائرات.
أما الوضع في المرحلة الحالية، فواضح للعيان، البلاد تعيش حالة من الإسراف والبذخ في الإنفاق والترف، وكل هذه القصور لا يمكنها أن تكون دليلًا على نمو الدولة، بل على النقيض من ذلك، فإن هذا سوف يُظهر تأخر الدولة أو تباطؤ النمو بها، لأنها تتم من خلال أموال لا عائد منها ولا مردود لها.
فبدلًا عن إنفاق مليار دولار على أعمال بناء وتشييد قصر جديد لمؤسسة الرئاسة، كان من الممكن استخدام هذه الأموال في تمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة، لتكون أكثر نفعا وذات عائد وربح للدولة؛ وستكون بمثابة خطوة لإنعاش الاقتصاد.
والذين يدعون أن هذا الرقم بسيط، لا يعروفون أبسط العمليات الحسابية؛ لأن معدل نمو الاقتصاد التركي في فترة حكم عدنان مندريس التي امتدت نحو 10 سنوات، وصلت إلى 6.6%، كما وصلت في فترة حكم الرئيس تورجوت أوزال إلى 5.9%، بينما في الفترة الأخيرة سجلت معدلات النمو في البلاد نحو 4.7% فقط.
هل تستمر الرفاهية والترف؟
فمع استمرار الإسراف في الإنفاق العام وسياسات الترف التي تتبعها الحكومة، يزداد لدى المواطنين أيضًا الشغف والتطلع للترف والرفاهية، طبعا نتمنى أن يزيد مستوى الرفاهية لدى المواطنين، وأن تتحسن الظروف المعيشية؛ ولكن إذا تمت هذه الإجراءات اعتمادًا على الاستدانة، فإن حياة الرفاهية والترف هذه لن تدوم طويلًا.
فالمؤشرات خلال الفترة الماضية تشير إلى وصول تركيا إلى حياة الرفاهية والترف عن طريق الاعتماد على الديون الخارجية، ومنذ ثمان سنوات وأنا أنادي بتقديم استثمارات تستهدف دعم التجارة الخارجية، ولكن ما الذي تم انجازه ؟ بناء المراكز التجارية والأبراج السكنية الفخمة للحصول على ريع وأرباح عالية وسريعة واستيراد السيارات الفارهة، كل هذا جيد، نعم.. تركيا بحاجة إلى المزيد من المشاريع السكنية والمجمعات العمرانية، ولكن المشاريع السكنية المقاومة للهزات الأرضية.
علي باباجان الوزير المسؤول عن الإقتصاد أعلن عن برنامج اقتصادي متوسط المدى.. فما انطباعكم تجاه ذلك البرنامج؟
قال نائب رئيس الوزراء للشؤون الإقتصادية، علي باباجان، أثناء الإعلان عن المشروع الاقتصادي متوسط المدى: “إننا أكثر الدول الأوروبية من حيث معدلات النمو” ،وهذا قد قيل من قبل، لكنني لا أستطيع فهم ذلك؛ إن نصيب الفرد في الدخل القومي في ألمانيا هو 45 ألف دولار سنويًا، فإذا زاد معدل النمو نحو 1% فقط يزيد نصيب الفرد450 دولارا سنويًا ، بينما تركيا تقول إنها نجحت في رفع نصيب الفرد من الدخل إلى 300 دولار سنويًا، وكان 10 ألف دولار سنويًا، في ظل معدلات نمو نحو 3%. أي أنه على الرغم من ضعف معدلات النمو في الاقتصاد الألماني، إلا أنهم يسيرون أسرع منا! إذن هناك عملية خداع وتضليل للمواطنين. ويرددون باستمرار شعار “الهدف 2023”.
هل من الممكن تحقيق أهداف وطموحات 2023؟
غير ممكن؛ لأن من أهدافهم الوصول إلى نصيب الفرد من الدخل إلى حيز 25 ألف دولار سنويًا، وللوصل لهذا الرقم، يجب تحقيق زيادة بدءًا من هذا العام بمقدار 8.8% من نصيب الفرد من الدخل. إلا أنه في الفترة الأخيرة، لا تسجل أية زيادة ملحوظة، بل هناك تراجع كبير.
كما أن آمال وطموحات الوصول بالدخل القومي إلى حد 2 تريليون دولار سنويًا، محض خيال، ولا صحة له. والوضع نفسه فيما يتعلق بزيادة الصادرات التركية إلى 500 مليار دولار؛ فما الذي ستصدره تركيا، في ظل عدم تقديم أي استثمارات جديدة في مجال المنتجات التصديرية؟ فهم يتبعون سياسة تكميم الأفواه مع المواطن التركي، ويقولون له كل، واشرب، واستهلك كما تشاء، ولا تنتج إذا أردت، مادمت لا ترفع صوتك، واكتف بالشكر، وهم أنفسهم لا يعرفون الشكر، إذ يجربون جميع الوسائل للتملك أكثر ويهدرون ضرائب المواطنين والذي كان ينبغي عليهم أن يوجهوها إلى مشاريع البنية التحتية ، والنتيجة انه ليس لدينا منتج نستطيع تصديره.
ما تأثير وصول داعش إلى الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية على الاقتصاد التركي؟
إن حالة الغموض التي تشوب السياسة الخارجية للحزب الحاكم وحكومته، وسعيها وراء أهداف تكاد تكون خيالية، وعدم قدرتها على قراءة المنطقة بطريقة صحيحة، زج بتركيا إلى طريق وعر ومليئ بالمشكلات.
ولست أنا من يقول ذلك، بل وزير الخارجية الأسبق، يشار ياكيش، الذي يعرف المنطقة جيدًا، وعدد من النواب القدامى من الحزب والذين كانوا من بين المشاركين في تأسيسه لكنهم فضلوا الدخول في مغامرة ، بدلا عن الاستماع لنصائح هؤلاء.
فالآن ضعفت علاقاتنا مع مصر، وسوريا والعراق وأصبحت علاقاتنا مع هذه الدول جميعًا تعج بالمشكلات، ولجأنا إلى سحب سفرائنا وملحقينا التجاريين لدى معظم دول الشرق الأوسط، وأصبحنا لا نستطيع ممارسة أي أعمال في هذه الدول، وهذا أيضًا يعد من العوامل المؤثرة سلبا على اقتصاد البلاد.
بالإضافة إلى أن أحمد داوود أوغلو، أثناء توليه منصب وزير الخارجية، لم يتخذ أي إجراءات وقائية لحماية خطوط البترول التركية من العمليات التخريبية التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وارتفعت أسعار البترول إلى حد 116 دولارا، ومنذ مطلع العام وداعش يقوم بعمليات تخريبية في خطوط بترولنا ويعيق عمليات ضخ البترول إلى أراضينا، ولكن أحمد داوود أوغلو كان يغض البصر عن ذلك. وزادت أسعار النفط في كثير من الدول بسبب مروره من الأراضي التركية.
فالأخطاء التي تقترف في السياسة الخارجية، تؤثر بشكل مواز على اقتصاد البلاد..
أنتم تقولون إن النظام الرئاسي غير فعال في الدول النامية، فهل يعني ذلك أنه لن يكون كذلك إذا انتقلت تركيا إلى النظام نفسه ؟
إن المؤسسات لم تستقر بشكل كامل في الدول النامية. فعلى سبيل المثال وليس الحصر؛ فإن دولة مثل قيرغيزستان، حاولت العمل بالنظام الرئاسي نحو 20 عامًا. إلا أن أبناء وبنات وأقارب الرئيس في البلاد سيطروا على كل نواحي البلاد التجارية. وتمت عمليات الخصخصة من خلال شركة أحد أبناءه. وارتفعت أسعار كل شيئ. وخرج المواطنون إلى الشوارع والميادين، واضطّرّ الرئيس وعائلته للهروب إلى خارج البلاد، وعقب ذلك لجأ المواطنون القيرغيز إلى النظام البرلماني.
ولم تكن قيرغيزستان هي المثال الوحيد على ذلك؛ فقد حدث الأمر ذاته في الدول النامية الأخرى. فلا يمكن الحديث عن نظام رئاسي في دولة لا تحترم القانون، وحتى وإن تناولوا قضية النظام الرئاسي، فإن نهايته ستكون الإستبداد، فتركيا بحاجة إلى حكومة ائتلافية ونظام برلماني…
إن من يريدون إفلاس أحد البنوك الإسلامية، يعانون من مشكلة في الأخلاق الإسلامية
قلت فيما يتعلق بمحاولات الحكومة لإعلان إفلاس بنك أسيا “إن البنوك الإسلامية لا يمكنها الإفلاس”.. فما الذي يجب علينا أن نفهمه من ذلك؟
إن بنك آسيا، وغيره من البنوك الإسلامية، غير الربوية، تعمل وفقًا للنظام الإسلامي، وتسير بمبدأ الشراكة في الربح- والخسارة، فليس لها مصاريف ثابتة، وما تقدمه من مشاريع استثمارية تكون بصورة المشاركة. ولا تتطرق إلى العمل بمبدأ الفائدة السائد في النظام المصرفي غير الإسلامي.
لهذا فإن البنوك الإسلامية التي تتبع هذه السياسات، لا يمكنها أن تُفلس ولا يمكن إغراقها، فهي لا تقدم الأموال في مجالات وقطاعات اقتصادية لا عائد لها ولا ربح من ورائها. وفي الأغلب تكون قطاعات لا تتخللها أي مخاطر محتملة. لهذا السبب فإن إفلاس أو إغراق أي من البنوك الإسلامية أمر مستحيل.
لكن هذا يظهر أن من يريدون إغراق أي من البنوك الإسلامية، يعانون من مشكلة في أخلاقهم ومبادئهم الإسلامية، فأنت تقول مارسوا الضغوط وسياسات الإبتزاز على بنك إسلامي، ليعلن إفلاسه، ثم أحضروا إلي مفاتيحه، فهذه السياسات لن تؤثر على هذا البنك فقط، بل ستؤثر على النظام المصرفي في البلاد عامة، وفي اقتصاد الدولة أيضًا.لأنها تخوف المستثمر الأجنبي وتمنعه من الإستثمار في بلادنا، فلا يمكن إدارة اقتصاد دولة اعتمادًا على مقولات وآراء رجل واحد.
ما الذي تشير إليه الأخبار التي شاعت مؤخرًا بأنه “سيتم الإستحواذ على أراضي من لا يطيع أوامر الحكومة”؟
تشير مثل هذه الأخبار إلى مدى الضغوط التي يتعرض لها رجال الأعمال، ففي الفترة الأخيرة الحكومة تصدر قوانين وفقًا لأهوائها، وتقوم بممارسة الضغوط على رجال الاعمال الذين لا يطيعون أوامرها المزاجية، وبهذه السياسات يدفعون المستثمرين للهرب من البلاد. ولا يوجد نظام قانوني محدد.
ومن الطبيعي أنه لن يقوم أي مستثمر سواء كان أجنبيا أو محليا بتقديم أمواله واستثماراته، مادمتم تتبعون نظاما قانونيا غامضا وغير واضح، وتفرضون الضرائب غير المبررة على كل من يخالفكم الرأي، وتضيقون الخناق عليهم. والآن أصبح المستثمرون المحليون كذلك يفضلون عمل استثماراتهم خارج البلاد؛ وتكون الحكومة بهذا قد طردت المستثمرين المحليين من البلاد، وساهمت في زيادة معدلات النمو للدول الأخرى التي ستتجه إليها هذه الاستثمارات وتخدم في انخفاض معدل البطالة لديهم.
لقد كنت من خبراء الاقتصاد المعروفين بعدم موافقتهم على التوقيع على اتفاق صندوق البنك الدولي، كما كنت من داعمي السياسات الاقتصادية لحزب العدلة والتنمية، فما الذي حدث لتغير موقفك؟
لست أنا من غير موقفه، بل هم تغيروا، فأنا مازلت في المكان نفسه وعلى الرأي نفسه، ولكن من تغير هم قادة حزب العدالة والتنمية، وأنا أقول الشئ نفسه منذ سنوات. ولكنهم لا يقولون ما كانوا يقولونه في السابق. ولا يريدونني أن أقول إن الإسراف في الإنفاق، يتسبب في اقتصاد غير مستدام، هم يتصرفون عكس ذلك، وإن اتبعوا سياسة اقتصادية صحيحة، سأقول ذلك صراحة، إلا أنهم يتبعون الآن سياسة اقتصادية خاطئة، وأنا انتقد ما يقومون به، وسياساتهم الاقتصادية الخاطئة واضحة للعيان، فأنا لا تربطني بالحكومة أي علاقات عاطفية.
يقال إنك فصلت من جريدة” صباح” الموالية للحكومة لأنك لا تهاجم الكيان الموازي، ولأنك زوج لـ”ناشا دوزال” مدير تحرير صحيفة” طرف” المعارضة للحكومة، بالإضافة إلى قيامك بشغل منصب مستشار للصحيفة نفسها، ولمعرفتك الجيدة لما يدور في بنك الشعب الحكومي.. فما هو أصل وحقيقة الأمر؟
أنا خبير اقتصادي، وأعمل وفقًا للمعطيات والمؤشرات، أفسر وأحلل المؤشرات الاقتصادية، ولا يمكنني أن أكتب أي شئ من أجل أن أشوه أو أسيئ لأحد، فأنا أكتب ما صح من الأرقام، ولم أشتغل في أية مؤسسة بمنصب مستشارٍ لها، ففي الفترة التي كنت أنشر مقالاتي، لم أشغل منصب مستشار مقابل المال، فأنا ضد هذا التوجه، وقد قدمت كل ما بوسعي لدعم صحيفة” طرف” لاستكمال مسيرتها، فهناك ضغوط حقيقية تمارس ضدها، وفيما يتعلق ببنك الشعب، الحكومي، أنا لا أعرف أحدا له علاقة ببنك الشعب، بل وحتى اليوم لم تكن لي علاقة بأي منهم، فكيف لي أن أعرف البنك وسياساته الداخلية جيدًا كما يقولون؟