جولتكين آفجي
صدر قرار غير معقول بوقف دعوى الفساد والرشوة التي كُشف عنه في تركيا في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ولو أنه لم يعد هناك الشيئ الكثير الذي يمكن وصفه بـ”غير المعقول” في ظل الظروف الراهنة في تركيا.
لقد تحولت الوقائع، التي تعتبر” فضائح” في دول القانون التي تحترم الديمقراطية، إلى “شيئ روتيني وعادي في سير الحياة ” في تركيا، وأصبحت مقتضيات القانون فضيحة، أما الفضائح فتحولت إلى قانون.
ويبدو أن عشرات صناديق الأحذية وملايين الدولارات وآلات عدّ النقود، التي رأيناها بأم أعيننا، كانت “حلم ليلة صيف”، من تلك المسرحيات التي ألفها الشاعر الإنجليزي الشهير وليم شكسبير، ولم يستطع النائب العام الذي أصدر قرار وقف الدعوى أن يتغافل عن عشرات الأدلة.
فماذا فعل؟
سعى للإجابة على السؤال الذي مفاده: “مادام هناك هذا القدر من الأدلة الثقيلة، وبما أنه من المستحيل التخلص منها، فكيف يمكنني أن أفسرها حتى أبطل مفعولها؟”.
ويرى هذا النائب العام، الذي استطاع إصدار قرار بوقف الدعوى، أن قرارات التنصت على بعض المسؤولين بالدولة لم تصدر في إطار التحقيق في الاتهامات المزعومة.
حتى ولو كان الأمر كذلك.. فإذا تم في الوقت الذي يتم فيه التنصت على بعض المشبوهين بقرارات صادرة من المحكمة، الحصول على دليل بشأن جريمة أخرى، فهل لايجب الاعتداد بهذه الأدلة وتجاهلها؟
وعلى سبيل المثال، بينما يجري التتبع والتنصت التقني حول ادعاء غسل الأموال المكتسبَة من جريمة ما، إذا تم التوصل إلى أدلة ومحادثات متعلقة بتهمة تلقي رشاوي، فهل تعتد بهذه الأدلة من الناحية القانونية أم لا؟
الجواب؛ إذا كان هذا الدليل المصادَف أثناء عملية التنصت خاص بإحدى التهم المحدودة الواردة في المادة رقم 135 من قانون الإجراءات الجنائية التركي، فإنه يكون مقبولًا من الناحية القانونية. (138/2)
هذا فضلًا عن أن جريمة تلقي الرشوة تعتبر واحدة من الجرائم المعدودة الواردة في المادة رقم 135 من قانون الإجراءات الجنائية التركي، والتي يمكن معها إجراء عملية التنصت.
وكان نجل وزير الداخلية السابق باريش جولر ونجل وزير الاقتصاد السابق قآن تشاغلايان قد اعتقلا بتهمة “الوساطة لتلقي الرشوة وتقديمها”، كما اعتقل رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضراب بتهمة “تقديم الرشوة وتشكيل عصابة أو تنظيم بغرض ارتكاب الجرائم”، فيما اعتقل مدير بنك الشعب (خلق بنك) سليمان أصلان بتهمة “تلقي الرشوة”.
وفي هذه الحالة، اعتبر النائب العام عمليات التصنت المعتبرَة قانونًا، في حكم العدم، وأن الأربعة ملايين ونصف المليون دولار التي وجدت مخبأة في صناديق الأحذية في منزل سليمان آرسلان مدير بنك الشعب ليست دليلا على الجريمة؟ .. فما هي إذن؟
إنها تدل على مخالفة لقانون جمع المساعدات، وإذا اطلعتم على المادة رقم 29 من القانون المذكور، ستجدون أنه يفرض غرامة مالية قدرها 700 ليرة تركية (312 دولارا أمريكيا) على مَن يجمعون المساعدات بدون تصريح، بيد أننا لو نظرنا إلى البيانات الرقمية والأشرطة الواردة في التحقيقات والتسجيلات الصوتية، سنرى أن الأمر لا يبدو كما يزعمه المدعي العام .
وتثبت البيانات الرقمية وسائر الأدلة الأخرى أن المصدر الوحيد لـ”المساعدات” التي تحدث النائب العام بشأنها، هو رجل الأعمال رضا ضراب، وفي الواقع، أن النائب العام لم يستطع إيجاد أية “وسيلة لإنقاذ المتهمين” سوى محاولة “إبطال مفعول” هذه الأدلة.
لقد أغلق النائب العام التحقيق في هذا الأمر بناءً على رؤيته الشخصية، وهو بذلك يكون قد أرسل إلى لجنة التحقيق في البرلمان إشارة لإيجاد سبيل لإغلاق الملف وكيفية التصرف المتناسب مع قراره.
والآن، فلننظر إلى الأمر من خلال نظرية “المساعدات”، هل يمكن أن يكون من الطبيعي والمعقول وصف وجود مبلغ 4.5 مليون دولار أمريكي داخل صناديق الأحذية في منزل مدير مصرف، بأنه “أموال جُمعت للمساعدات”؟
وكان من الممكن جمع هذه المساعدات بواسطة واحدة من عشرات المؤساسات الخيرية الموجودة في البلاد، وعليه، فلم تكن هناك حاجة إلى خرق قانون جمع المساعدات، وكذلك إخفاء الأموال في صناديق الأحذية.
مَن سمع قبل ذلك عن مدير مصرف “ادخر”، كما قال أصلان، أموال مساعدات تبلغ 4.5 مليون دولار أمريكي وخبأها في منزله؟
وإن لم تخنّي الذاكرة، لم يكن قرار أي نائب عام في تركيا قبل ذلك موضع سخرية واستهزاء إلى هذا الحد .
وينبغي لي أن أقول، بالمناسبة، إن قرار وقف الدعوى الذي أصدره النائب العام في إسطنبول بشأن ملف الفساد، لا يلزِم اللجنة البرلمانية التي تحقق في القضية ولا يؤثر في عملها، ذلك أن الصلاحية في تقدير نتيجة التحقيق الذي سيجريه البرلمان بمقتضى المادة رقم 100 من الدستور، وحق اتخاذ القرار في النهاية تخص البرلمان.
وبعد أن انتقلت ملخصات التحقيق إلى البرلمان، أصبحت الكرة في ملعب لجنة التحقيق واللجنة العامة للبرلمان.
وعلينا أن نقول إن ملف الفساد لم يغلَق نتيجة قرار وقف متابعة الدعوى هذا، وأن هذا القرار الأخير ليس قرارًا قضائيًا.
ولا أنسى هذه العبارة الواردة في الملخص الذي أعدته الشرطة، بحيث يقول شخص يدعى ر.ب. إلى رضا ضراب في مكالمة هاتفية جرت بينهما يوم 16/7/2013: “والله أحسنت يا سيدي هذا رائع جدا، برافو عليك! هذا يعني أن نصف عدد الوزراء الموجودين بالحكومة التركية سيكونون قريبا ضامنين لنا “.
أفكر في الأمر وأكاد أجزم في النهاية بأنه ليس نصف الحكومة فقط، بل الحكومة بأسرها صارت ضامنة وكفيلة لهم، ويبدو أن قدرات ضراب على إقناع الحكومة التركية كانت كبيرة جدًا. فما هو سر هذه البراعة وإلى أي شيئ يستند يا ترى ليجد هذه القدرة العالية على الإقناع البالغ والمؤثر؟!
صحيفة” بوجون” التركية