أورخان كمال جنكيز
قال الفيلسوف هيجل: “لم يفهمني أحد غيره، وهو أخطأ في فهمي” ، هذا ما ينطبق على القضية الكردية التي لدينا.
يبدو أنه لم يفهم أحد المشكلة الكردية سوى حزب العدالة والتنمية، ولكن حين ننظر إلى السلوك الذي ينتهجه هذا الحزب، وإلى ردات الفعل التي يبديها يتبين لنا أنه هو أيضا لم يفهم أي شيئ.
وإن تصرفات حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري قد أكل عليها الدهر وشرب، وتستحق أن توضع في المتحف، فالأول لا يدعو إلا إلى الحرب، والآخر يدعو على لسان رئيسه كمال كليتشدار أوغلو تارةً إلى ما يبعث الأمل فينا ولكنه تارة أخرى يلجأ سريعا في أول فرصة إلى الأقوال المحفوظة من السياسة القومية، وبينما يجمع حزب العدالة والتنمية هيئة الحكماء للتشاور، يعترض الناطقون باسم حزب الشعب الجمهوري على تحسين ظروف سجن زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان ظانين أنهم يزاولون مهنة السياسة.
معنى ذلك هو أننا نفتقد حزبا قويا يجبر حزب العدالة والتنمية على انتهاج طريقة الديمقراطية والمساواة وحقوق المواطنة المتساوية، وهي السبيل الأنسب لإيجاد حل حقيقي لهذه المشكلة، المشكلة الكردية.
كل ذلك ناجم عن الضغوط
وإن تصرفات حزب العدالة وأردوغان إزاء المشكلة الكردية لا تتعدى سوى محاولة الفوز في الانتخابات، ومن ثم ضمان التحوُّل إلى النظام الرئاسي، وإن كل الخطوات التي يخطوها الحزب داخليًا وخارجيًا بسبب الضغوط، لا تخدم في حل أية حلقة مفرغة، فمثلاً الأكراد يفتتحون مدارس بلغتهم الأم، وحزب العدالة والتنمية يغلق هذه المدارس. وبعدها بدأ العمال الكردستاني بأحداث الشغب، التي أدت إلى حرق المدارس الحكومية، وبالتالي سمح حزب العدالة والتنمية ببناء مدارس للتدريس باللغة الأم، وهكذا ينمي الشعور عند الأكراد بأنهم لن يحصلوا على أي حق ديمقراطي دون وجود حزب العمال الكردستاني ودون اللجوء إلى استخدام السلاح.
وكذلك فإن المساعدات التي يقدمها إلى أكراد سوريا لا تجدي نفعًا بعد تغيير سلوكه بسبب الضغط الدولي، حيث يساوي أردوغان بين داعش والـ(PKK) والـ(PYD). ويعارض الدعم الأمريكي المسلح ل(PYD)، ولكنه يكتفي بمشاهدة إلقاء السلاح ل(PYD) عبر الطائرات الأمريكية. فكل تصرفاته التي تناقض تصريحاته تمامًا فتحت المجال أمام البيشمركة، وكل تصرفاته توحي بأنها ناتجة عن الضغوط وبالتالي فهو لا يحظى بثقة الأكراد على الرغم من كل ما يقوم به.
أردوغان لا يملك البصيرة التي كانت لدى أوزال
لأن أردوغان لا يملك الرؤية التي كانت لدى أوزال إزاء الشرق الأوسط والقضية الكردية، ولذلك حين بدأت داعش بقصف كوباني لم يعرف كيف يتصرف، وهو يريد الاستمرار بمسيرة السلام، ولكنه من جانب آخر وكما كان يجري في الدولة بصفة تقليدية وينظر إلى داعش بشكل انتهازي متسائلاً ما إذا كانت قادرة على إزالة منطقة الحكم الذاتي الكردي في روج آفا عن سيطرة تنظيم العمال الكردستاني. فمثلاً حين يتعلق الموضوع بالأكراد يصرف كل طاقته ليتحول إلى طفل يهدم قلعة رملية لغيره من الأطفال كي يفسد عليهم لعبهم بدلاً عن اللعب معهم، ثم يأتي الضغط الخارجي وتُتَّخذ الإجراءات الاضطرارية.
وقد تغيرت مسيرة التاريخ بالنسبة للأكراد، فالجغرافيا التي حولنا تتعرض لتغير جذري، فتركيا بدلا عن أن تكون سندًا للأكراد كلهم تحاول مقاومة الرياح والأمواج الشديدة ولا تفكر بالركوب على هذه الأمواج لتعوم فوقها بأمان، ولا ترى أنه لم يعد بالإمكان الحفاظ على كل من سوريا والعراق ككتلة واحدة وإن أوثق الحلفاء بالنسبة لتركيا وأهمهم في هذين البلدين هم الأكراد، وهي تضل الطريق بينما تحاول أن تجد لها اتجاها صحيحا في الحسابات الآنية الصغيرة.