فاتح تشكيرجه
هذا ليس سؤالًا بسيطًا… وهو لا يهم أنقرة وحدها، بل يهم كذلك مستقبل خريطة رُسمت على الطاولة مع الحرب العالمية. ولهذا السبب تهتم الحكومة التركية بجميع تفاصيل هذه المسألة.
أواصل كلامي من حيث انتهت بالأمس، وكان هذا هو سؤالنا: “هل مقاومة الأكراد في كوباني هي مقاومة مدينة وحدها؟ أم أن أبعاد هذه المقاومة وصلت إلى مستوى إقليمي وتاريخي؟”.
كنت قد كتبت في السابق أن قضية كوباني خرجت عن إطار كونها مقاومة مدينة، وبدأت تتحول إلى حملة إقامة “منطقة مستقلة” و”دويلة”.
لقد أفصح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بشكل صريح، عن هذا السؤال، وقال باختصار: “هل ستكون سوريا ديمقراطية وموحَّدة بعد حل أزمة كوباني؟ نرى أن حزب الاتحاد الديمقراطي ينتهج سياسة خارجة عن إطار هذه الوحدة. وفي هذه الحالة، ما هو السيناريو الذي سيجري تنفيذه في سوريا؟”
وأعتقد أن ترجمة هذه الأسئلة التي زادت شدتها بمرور الوقت، هي كالتالي: “تلفت تركيا الانتباه إلى تشكيل “إقليم كردي مستقل” في سوريا كالذي في العراق. وينظَر إلى حزب الاتحاد الديمقراطي على أنه استعداد لتشكيل هذا الكيان. فهل هناك حماسة بشأن تشكيل إدارة كردية في شمال سوريا، كالتالي في شمال العراق، في المنطقة التي طُردت منها عناصر داعش؟ وما هو تأثير هذه الكيانات على مفاوضات السلام الجارية بين الحكومة التركية والأكراد؟” ولا شك أن تركيا ترغب في رؤية السيناريو في سوريا بعد التخلص من خطر داعش.
تأثير الولايات المتحدة
يبدو أن الولايات المتحدة اتخذت قرار تطهير المنطقة من داعش، فالأمريكان لم يعودوا ينظروا إلى نظام بشار الأسد على أنه القضية الأولى التي يجب حلها في سوريا، بل إن خطر داعش أهم في الوقت الحالي. والأبعد من ذلك أن جميع القوات المحاربة ضد داعش صارت تتلقى الدعم والتمويل. ويدخل في نطاق هذا الدعمُ التسليحي الذي قدمته الولايات المتحدة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، والدعم التدريبي الذي قدمته بريطانيا إلى قوات البشمركة.
وتركيا تناقش كيفية لعب دور استباقي في هذا الأمر. وإذا وجهت سؤالًا أكثر صراحة، سأقول: “لقد تحولت عملية السلام والتحول الديمقراطي في تركيا إلى وضعية تهم في الوقت نفسه الجانب الآخر من الحدود التركية. فهل ستستطيع تركيا إيجاد حل إقليمي بهذه الضخامة؟ وهل ستنظر تركيا إلى هذه القضية فقط من النافذة العسكرية والأمنية؟ أم أنها ستفتح ممرًا ديمقراطيًا في المنطقة؟ وبكل تأكيد سيكون من التناقض الشديد أن تتعامل تركيا مع المشكلة من خلال احتياطات أمنية بعدما أكدت مرارًا وتكرارًا احترامها للديمقراطية.
مخاض المفاوضات
لا ريب أن وضعية حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي حصل على المساعدات التسليحية والتدريبية، ستحرّك حزب العمال الكردستاني وتغريه كذلك. كما أن قادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل بشمال العراق، لا يرغبون في أن يكونوا خارج هذه المعادلة، وبالتالي يفقدوا موقعهم. ولهذا السبب، فإنهم يسيرون في طريقهم ليكونوا أكثر صلابة وقسوة بمرور الوقت.
عامل عبد الله أوجلان
إن مفاوضات السلام التي تجريها أنقرة مع قيادات حزب العمال الكردستاني، تعتبر أبرز وأهم ورقة ستلعب بها تركيا خلال المرحلة المقبلة. وهذا يعني علو شأن “عامِل عبد الله أوجلان” وزيادة قيمته. وإذا افترضنا أن الأحداث ستتوقف بدعوة من أوجلان، سنرى أن هناك خيارين أمام الحكومة التركية؛ إما تسريع وتيرة التفاوض مع أوجلان، أو بداية مرحلة الصلابة في التفاوض. ونحن، بطبيعة الحال، لا نريد اللجوء إلى الخيار الثاني. إذن، ينبغي لحكومة حزب العدالة والتنمية تأسيس أرضية جديدة للتفاهم مع المعارضة للوصول إلى حل لهذه القضية.
أيهما أفضل: الأشخاص العقلاء أم السياسة العقلانية؟
كان مشروع اختيار وفد من الشخصيات صاحب العقل والرؤية للمساهمة في إنجاح التفاوض مع حزب العمال الكردستاني، مشروعًا جيدًا؛ إذ إنه ساهم في زيادة الآمال المعقودة على هذه العملية، وأضفى طابعًا مدنيًا عليها. لكن ماذا يمكن أن يقدم هذا المشروع بعد الآن؟
نقول إنه يمكن أن نصل بمفاوضات السلام إلى نتيجة جيدة إذا ما استخدمنا “السياسة العقلانية”، وليس “الأشخاص العقلاء”. وأما الطريق إلى ذلك، بدايةً، هو التواصل بشكل فاعل مع المعارضة. فأنا الآن أنتظر من الحكومة التركية أن تنتهج “سياسة عقلانية”، عوضًا عن السياسة التي تسعى للتراشق بين البعض من خلال استغلال القضية الكردية. ولا جرم أن هذه “السياسة العقلانية” يمكن أن تفتح المجال أمام تركيا لحل مشاكلها، من أجل دولة ديمقراطية تستند في حكمها إلى دستور مدني.
جريدة حريت 22/10/2014