أرتغرول أوزكوك
إن أولى المعلومات الاستخباراتية الواردة من جبهة كوباني إلى واشنطن ولندن معلومات غريبة.
سأذكر لكم تلك المعلومات بعد قليل.
ولكن لننظر أولاً إلى التطورات التي قلبت كل شيء في الجبهة التركية رأسًا على عقب، والتي خففت من حيطة الرئيس أردوغان.
فجر ليلة الأحد الساعة 01:10
وصلت طائرة الرئيس أردوغان (A330) إلى مطار أنقرة. حيث سارع الصحفيون إلى إحضار جوّالاتهم لنقل تصريحات أردوغان إلى مكاتبهم قبل طباعة صحف اليوم. وكانت تصريحات أردوغان في الطائرة بمنتهى الوضوح إلى درجة أنها لا تحتاج إلى أي تأويل: “حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي يحارب في كوباني هو بالنسبة إلينا منظمة إرهابية كحزب العمال الكردستاني(PKK). وأنه من الخطأ أن تطالب أمريكا بمساعدتنا للـ(PYD) مع أنها تشاركنا في عضوية الناتو. ونحن نرفض هذا الطلب”.
اتصال أوباما بأردوغان في الساعة 01:40
تم إبلاغ أردوغان رسالة في أثناء دخوله مبنى الركاب بعيدَ نزوله من الطائرة. حيث تم إعلامه بأن أوباما يريد التحدث إليه. والشخص الذي أوصل هذه المعلومة هو نائب الأمين العام للشؤون الرئاسية “إبراهيم كالن”. ولكن كالن كان معه في الطائرة، وهذا يعني أن المعلومة وصلت إليه بعد دخوله في مبنى الركاب. الطائرة نزلت 1:10. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الاقتراب من مبنى الركاب والنزول ومراسم الاستقبال، يمكن أن نتوقع بأن الرسالة قد أُبلغت في الساعة 01:20 في أسرع الأحوال. وقد جرت المكالمة في الساعة 01:40 ريثما تم إحضار المترجمين وأجهزة الصوت.
هل حصل أردوغان على معلومات من الحكومة قبل الاتصال؟
ثمة تفاصيل هامة هنا.
هل حصل أردوغان قبل الاتصال بأوباما على معلومات من رئيس الوزراء أو من وزارة الخاجية؟ أم أنه قام بكل شيئ منفردًا دون الرجوع إلى أحد؟ أظن أنه تصرف وكأنه رئيس مطلق الصلاحيات . في الساعة 01:40 بدأ أردوغان بمكالمة أوباما. وكانت تصريحات أوباما أيضًا في غاية الوضوح:
“قررنا البدء بتقديم المعونات لكوباني”.
وليس أمام أردوغان أي مجال ليتمكن من الاعتراض. أي إن تركيا تحت الأمر الواقع، وأردوغان مجبر على العمل، معاكسا تمامًا لما صرح به في الطائرة، وفي أثناء تلك المكالمة كانت المعونات والمساعدات المخصصة لكوباني مجهزة وفي طريقها إلى أربيل للتحميل عبر الطائرات.
لنعد الآن إلى جبهة كوباني
لماذا أُتلِفت إحدى الصناديق الملقاة إلى كوباني؟
ليلة الاثنين الساعة 04:00 ..
بدأت طائرات أمريكا بإلقاء 28 صندوقًا إلى كوباني.
وقد أقلعت كل الطائرات الأمريكية من مطار أربيل في كردستان، شمال العراق، وأُعلن أن الأسلحة قد أمِّنت عن طريق اتحاد محبي الوطن الكردستاني، وقد ألقيت الصناديق إلى غرب منطقة كوباني، لأن بعض المناطق الشرقية تحت سيطرة داعش، وهنا حدث تطور غريب، حيث سقط أحد الصناديق بالقرب من مناطق داعش، لكن تم إتلاف هذا الصندوق بقرار استراتيجي حكيم جدًا لئلا يحصل عليه داعش، ولم أعلم ما إذا كان هذا القرار صادرًا عن أمريكا أو قياديي الـ(PYD).
ما هي المواد التي كانت موجودة في الصناديق؟
حسب المعلومات الاستخباراتية فالصندوق لم تكن فيه أسلحة ثقيلة، حيث تم إمدادهم بأسلحة خفيفة وبعض الذخائر اللازمة، كما كانت هناك بعض مضادات الدبابات أيضًا، لكن ما الذي جرى بعد إلقاء الصندوق؟ وحسب المعلومات التي وصلت إلى الاستخبارات الأمريكية والبريطانية لم يحدث المزيد من الاشتباكات صباح الاثنين، لكن بدأت الاشتباكات بعد الظهر في شرق كوباني، وهذه المعلومات الاستخباراتية هامة بسبب سيطرة داعش على بعض المناطق الشرقية.
ما هي أول معلومة استخباراتية وصلت بعد إلقاء الصناديق؟
كان التأثير النفسيللمساعدات الملقاة كبيرًا جدًا. فقد تحولت قوات الـ(PYD) الكردية من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية.
فقد داعش 400 من مقاتليه، وأخذت تنسحب من المناطق التي توسعت فيها في الأسابيع الماضية.
ففي الغارات الجوية الأخيرة أصابت الطائرات الأمريكية أهدافًا محددة بدقة بعد أن قصفت أماكن خالية تابعة لداعش في الأيام الأولى.
وهذه معلومة استخباراتية مهمة: عندما تراجع داعش تخلى عن بعض الأسلحة الثقيلة التي اغتنمها من القوات العراقية، وقد اختتمت أولى المعلومات الاستخباراتية التي وردت بعد وصول صناديق المساعدات بهذه الجملة: “قد ينتصر الـ(PYD) الكردي خلال بضعة أيام”.
معلومة مهمة جدًا: البيشمركة ستعيد الأسلحة التي حملتها إلى كوباني
وأهم معلومة هنا بالنسبة لتركيا هي: أن البيشمركة ستعيد الأسلحة التي حملتها معها إلى كوباني عن طريق الأراضي التركية كما هي تمامًا، لكن لا يُعلم إلى الآن كيف سيتم جرد الأسلحة، وقد أُقصي الجيش التركي عن التدخل في عمليات العبور، ولم أحصل على معلومات حول ما إذا كان الجرد سيكون عن طريق أناس مدنيين أم خبراء.
وهذه التطورات التي خلف الكواليس هي التي شتت السياسة الخارجية التركية خلال 24 ساعة.
هذه التطورات كفيلة بتغيير جذري في موازين المنتصرين والخاسرين في الشرق الأوسط.
ومع الأسف كل تطور في المنطقة يقود تركيا إلى صفوف الخاسرين.