بقلم: جوكهان باجيك
وفقًا لمجمع اللغة التركية فإن المعنى اللغوي لكلمة “طوق الرقبة”، هو حركة وضع رأس المنافس في رياضة المصارعة، تحت الإبط، وإحاطة رقبته بالذراع.
ففي لعبة المصارعة يتمكن المصارع الماهر من إدخال رأس خصمه تحت إبطه ويحيط رقبة الخصم بذراعه .
وقد يتعرض المصارع إذا أخطأ في الدفاع إلى هذا الطوق في كثير من المرات.
ويمكننا أن نقول إن السياسة الخارجية التركية تعرضت لطوق شبيه كالمصارع المخطئ، في الفترة التي بدأت مع اندلاع الأحداث في بلدة عين العرب (كوباني) خاصة، أو مع اندلاع الأزمة السورية عامة.
فتركيا تبدو منذ فترة من الزمن، في مجال السياسة الخارجية، مثل المصارع الذي ينقاد لخصمه مكرها لأن منافسه يرغمه على القيام بأشياء لايريدها، لأنه طوّق رقبته بقوة.
الحصار
من الواضح أن تركيا أصبحت محاصرة بشكل خطير من قبل عدد من الجهات التي تلعب دورًا مهمًا في المنطقة، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
وفي فترة قصيرة أثقلت كاهل تركيا أعباء كبيرة وثقيلة بسبب الضغوطات الخارجية، فعلى الرغم من كل محاولاتها للمقاومة والتخلص من تلك الضغوطات بحملات مضادة، إلا أن الممثلين الدوليين المؤثرين في المنطقة، يدفعون بها إلى حيث يريدون، بالضغط الكثيف والإكراه المجبر.
فالساحة تشهد وضعا مثيرًا، فمن الواضح أن الأشخاص الذين يمسكون بمقاليد الأمور في البلاد، يكرهون على الموافقة على بعض الأشياء التي لم يكونوا يرضوونها أبدًا، حتى أن الضغوطات الهائلة الممارسة على أنقرة فيما يتعلق بأزمة بلدة عين العرب (كوباني)، تسببت في حدوث حالة من الهزة داخل أروقة الحكومة التركية في أنقرة، نتج عنها حدوث مشكلة خطيرة في توافق الخطابات والتصريحات الصادرة عن المستويات العليا بالدولة.
وقد أخذت هذه الضغوط أبعادا خطيرة، وصلت إلى حد أن الحكومة التركية لجأت إلى الموافقة على عدد من القرارات المهمة ضمن سياستها الخارجية، على الرغم من ارتفاع أصوات اعتراضية بشكل كبير.
صورة أردوغان: نقطة الضعف
إن نقطة الضعف حسبما نستنتجها من الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي على تركيا هي رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان .
والآن يقوم المجتمع الدولي وبكل سهولة، بتداول صورة ذهنية، بأن أردوغان ينتهج منهجا استبداديا، أو أنه يتعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الأزمة الكردية.
فلا يمر يوم دون أن يتم نشر خبر أو مقال يُنتقد فيه أردوغان بشكل قوي، على الصفحات الأولى لإحدى الصحف المهمة والمؤثرة.
ففي الوقت الذي كان يقال فيه “أنظروا إلى الفرنسيين إنهم يفهموننا” نشرت صحيفة (Le Monde) “لوموند” الفرنسية، نقدًا لاذعًا لأردوغان في مقال مليء بالمصطلحات المتعلقة ببعض المشكلات النفسية.
وصورة أردوغان الاستبدادي التي بدأت منذ إندلاع أحداث منتزه جيزي في عام 2013، تزداد وتتأكد شيئًا فشيئًا، مُشَكِّلَة صورة لأردوغان على أنه “استبدادي” ثم تحول إلى “شخص لا يستطيع أن يصدر أي قرار عقلاني، و إنه عصبي وهو شخص لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يفعله لاحقا”.
ويبدو أن ذكر اسم أردوغان كاف لتوجيه الانتقادات لتركيا في المحيط العالمي.
وإنه لمن المؤسف ظاهرة وصف أردوغان بـ “مثال الرجل السيئ”، مثلما كان يوصف الرؤساء من أمثال الرئيس الفنزويلي، هوجو تشافيز، قديمًا.
ما المشكلة في السياسة الخارجية؟
اليوم تشهد السياسة الخارجية التركية أزمتين رئيستين، الأولى: عدم وجود قائد للسياسة الخارجية الحالية، فقد تحولت السياسة الخارجية التركية إلى حقل تجارب بين جهات عدة بدءًا من جهاز المخابرات الوطنية، منها إلى مؤسسة أخرى في الدولة وصولًا إلى رئاسة الجمهورية.
وجميع من قابلتهم من دبلوماسيين، وصحفيين، ومتخصصين غربيين، على قناعة بأن تركيا تسير في سياستها الخارجية تجاه سوريا وفقًا لتوجيهات جهاز المخابرات الوطنية التركي وليس وزارة خارجيتها.
فلا أحد لديه ما يعلق به على وزير الخارجية الحالي مولود تشاووش أوغلو، بصفته الشخصية، ولكن كل من يطلع على كواليس الحكومة يرى أنه جاء إلى هذا المنصب بصفة مؤقتة، وسواء كان هذا صحيحًا أم خاطئًا، فإن هذا هو الرأي الشائع المتوطن لدى الرأي العام.
أما الأزمة الثانية: فهي أزمة بنيوية، فالسياسة الخارجية التركية أصبحت كبش فداء لحماسة السياسة الداخلية، والكلام الكثير وربط كل ما يحدث في الداخل بالسياسة بشكل مفرط .
فقد وصل الوضع إلى حد أن الأقاويل التي قيلت في ساحات مدينة قيصري أو كونيا، بالإضافة إلى ما يقال في صالة الـ (VIP) بمطار أنقرة الدولي، أصبح عائقًا أمام تحركات تركيا.
فالاعتياد على تناول قضايا السياسة الخارجية بشكل مفرط كأدات نافعة في السياسة الداخلية، يلعب دورا وعن غير قصد في تضييق حيز الاستقلالية الاجتماعية للسياسة الخارجية التركية.
من صحيفة “بوجون” التركية