تشهد كل من الجزائر وتركيا أوضاع إقليمية مضطربة ، لها تداعيات أمنية خطيرة على الأمن والاستقرار الداخلي للدولتين ، حيث انتهجت كل دولة أسلوبها الخاص في التعامل مع هذه التهديدات.
تعرف الدول المجاورة للجزائر أوضاعا أمنية مضطربة وغير مستقرة، تشكل تهديدا أمنيا لاستقرارها الداخلي ، على غرار ما يحدث في مالي، ليبيا وتونس، تضاف إليهم المشكلة الحدودية مع المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي.
نفس الوضع تقريبا تعيشه تركيا ، فمعظم جيرانها دول ليست مستقرة أمنيا، ما يهدد أمن واستقرار تركيا الداخلي، كالأحداث الملتهبة في سوريا والعراق ، فالدولتان تواجهان خطر الانفصال والتفكك الذي قد يطال تركيا مستقبلا في حالة ما استمرت هذه الأوضاع المضطربة في المنطقة لفترة أطول ، ما يؤدي –حسب رأيي- إلى انسلاخ أكراد سوريا والعراق عن الحكومة المركزية ربما يدفع ذلك أيضا بأكراد تركيا بطرح نفس المطالب على السلطات في أنقرة.
1 – المقاربة الجزائرية في حل الأزمات الإقليمية .
أدركت الجزائر درجة التعقيد والخطورة للأوضاع الإقليمية على أمنها واستقرارها الداخلي، ما دفعها إلى التمسك بأحد ثوابت سياستها الخارجية في تعاملها مع الأزمات وهو عدم التدخل في شؤون الداخلية لدول ونبذ التدخل العسكري الأجنبي لحل الأزمات الدولية، إدراكا منها بأن ذلك يعقد الأمور أكثر ويطيل من عمر الأزمات، كما يشكل تهديدا مباشرا لأمن واستقرار الدول.
الحوار مبدأ أساسي لحل الأزمات
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] لماذا فضلت الجزائر اعتماد طرح مبادرة الحوار بين أطراف الأزمة ورفض أي تدخل أجنبي في شؤون الدول ، في حين رجحت تركيا لعب دور مباشر في إدارة هذه الأزمات ودعمها لفكرة التدخل الأجنبي العسكري المباشر كما هو الشأن في ليبيا و سوريا ؟ هل ذلك يعود إلى الحنكة السياسية لرئيسي جمهورية البلدين ، أم يعود إلى ثوابت السياسة الخارجية للدولتين ؟[/box][/one_third]اعتمدت الجزائر على مبدأ بعث الحوار كوسيلة لاحتواء الأزمات التي تنشب في الدول الإقليمية المحيطة بها ، بدلا من التدخل في شؤون هذه الدول كدعم أحد الأطراف المتنازعة أو دعوة للتدخل الأجنبي فيها ، فالجزائر رعت الحوار والمشاورات السياسية بين فرقاء الأزمة في مالي بغية التوصل إلى حل شامل للأزمة في شمال مالي، حيث استضافت الجزائر أطراف الأزمة المالية بالبلد ستة مرات في جو وصفته الأطراف المالية بالشفافة، مؤكدين على وقوف الجزائر على مسافة واحدة بين جميع الأطراف المتفاوضة.
كما رافقت الجزائر عملية التحول الديمقراطي في تونس، وتعاملت مع الحكومات التي تعاقبت على حكم تونس بعد سقوط نظام بن على دون أي تمييز واستضافت أهم القيادات التونسية من كل التيارات دون استثناء أو إقصاء لأي طرف مهما كان لونه السياسي .
وتعاملت الجزائر مع مصر الإخوان ومصر السيسي وفق مبدأ ” التعامل مع الدول لا الأشخاص” والتزمت صفة المراقب في الأزمة الليبية في بدايتها ثم طرحت مبادرة استعداد الجزائر للم شمل الإخوة الفرقاء في ليبيا ورفضت أي تدخل أجنبي في شؤون ليبيا الداخلية .
وعليه نجد أن الجزائر اجتهدت قدر الإمكان بالتزام الحياد وعدم دخول كطرف في أي نزاع أو أزمة في أي دولة من دول الجوار وعملت على حصر دورها في طرح مبادرة الحوار على الأطراف المتنازعة دون التدخل في شؤونها الداخلية .
2- المقاربة التركية في حل الأزمات الإقليمية
التدخل المباشر كرهان لحل الأزمة
تختلف نظرة تركيا في حل الأزمات الإقليمية كليا عن النظرة الجزائرية ، حيث نجد أن تركيا عملت منذ بداية ما اصطلح عليه – ثورات الربيع العربي – التي انطلقت شرارتها الأولى في تونس ثم مصر، ليبيا، اليمن ، سوريا بالتدخل المباشر في إدارة هذه الأزمات ظنا منها أنها الوسيلة المثلى لحلها وتحقيق أهدافها المرجوة من هذه الدول .
دعم أحد أطراف النزاع مبدأ أساسي لحل الأزمة
ترى تركيا أن دعم أحد أطراف الأزمة هو الخيار المناسب لاحتوائها والطريق المناسب لتحقيق أهدافها وطموحاتها السياسية والاقتصادية ، لذا دعم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حركة الإخوان المسلمين للوصول إلى الحكم في تونس ، ليبيا ومصر كما دعمت المعارضة في سوريا لإسقاط نظام بشار الأسد ونسجت علاقات اقتصادية مع حكومة إقليم كردستان دون موافقة الحكومة المركزية العراقية ، كل هذه التدخلات التركية في الشؤون الداخلية لهذه الدول أتت بنتائج عكسية على مصالح تركيا الاقتصادية والسياسية داخليا ، إقليميا ودوليا، وتضررت علاقتها بشكل مباشر مع سوريا والعراق ومصر وليبيا يضاف إليهم بعض الدول الخليجية المعادية لحركة الإخوان المسلمين على غرار السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الكويت والبحرين إذ يصعب على تركيا في ظل هذه الظروف ترميم هذه العلاقات المتدهورة في المستقبل القريب إلا إذا عدلت تركيا من بعض مواقفها العدائية لهذه الدول وحتى للمجتمع الدولي.
واختتم هذا المقال بالسؤال التالي: لماذا فضلت الجزائر اعتماد طرح مبادرة الحوار بين أطراف الأزمة ورفض أي تدخل أجنبي في شؤون الدول ، في حين رجحت تركيا لعب دور مباشر في إدارة هذه الأزمات ودعمها لفكرة التدخل الأجنبي العسكري المباشر كما هو الشأن في ليبيا و سوريا ؟ هل ذلك يعود إلى الحنكة السياسية لرئيسي جمهورية البلدين ، أم يعود إلى ثوابت السياسة الخارجية للدولتين ؟
سفيان أبو أمير- كاتب جزائري