بقلم: طه أكيول
بالقدر الذي تُرى فيه مفاوضات السلام والتسوية بين الحكومة التركية ومنظمة حزب العمال الكردستاني، على أنها خطوة في الطريق الصحيح، نجد أن ما يقال حول دخول تلك المفاوضات في مرحلة مضطربة جدًا، مسألة حقيقية.
فمع تطور الأحداث تحولت مفاوضات السلام التي كان يؤمل من وراءها إنهاء كل أشكال العنف والمواجهات بين الطرفين، إلى زريعة لقتل جنودنا، والشروع في أعمال عنف فوضوية في المدن التركية المختلفة! وفيما يتعلق بالعنف، فإن طرف خيط المبادرة في يد الزعيم الكردي المعتقل عبدالله أوجلان، بل وأكثر من ذلك؛ أنه قد تم تأسيس حكم مستقل في ثلاث مقاطعات في شمال سوريا، وفقًا لمبادئ حزب العمال الكردستاني!
وكان قد تم الإيضاح آنفًا، في الفصل الثالث من لائحة قوانين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا، أن الهدف السياسي للحزب يتمثل في تحويل منطقة كردستان سوريا إلى منظمات اتحاد المجتمعات الكردستانية، فما تم تشكيله في المقاطعات الثلاث من شمال سوريا، هو نموذج لاتحاد المجتمعات الكردستانية، وتم تأكيد حكم الاتحاد من خلال اتفاقية دهوك، التي تم الإعلان عنها في 22 من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عقب الاجتماع الذي دعا إليه رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود برزاني.
تواجد العمال الكردستاني على الأراضي السورية
يعزز حزب العمال الكردستاني من موقفه في المنطقة، مستغلًا التنازلات السياسية التي تمنحها له مفاوضات السلام والتسوية مع الحكومة التركية، وفي مقابل ذلك يقوم بالضغط على تركيا مستغلًا الأزمة السورية، من خلال عدم خروجه من الأراضي التركية، وتصعيد وتيرة فعالياته على أراضيها.
إن للحكومة التركية تأثيرا على الجيش السوري الحر، إلا أنه مع مرور الوقت بدأ هذا التأثير يضعف وتخور قواه، وهذا ما كان قد صرح به الرئيس الأمريكي باراك أوباما آنفًا.
وكان حزب الاتحاد الديمقراطي، جناح حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، قد دخل في تعاون وتحالف مع نظام بشار الأسد، منذ الشرارة الأولى لاندلاع الاشتباكات والمواجهات في البلاد. وقد اعتمد بشار الأسد على قوات الاتحاد للسيطرة على الأوضاع في المناطق الشمالية، بينما يستمر هو في محاربة معارضيه، وكانت هذه الخطوة بمثابة انتقام من جانب بشار الأسد من تركيا، في الوقت ذاته، وعليه قام الاتحاد الديمقراطي بإخماد باقي الجماعات والتنظيمات الكردية الموجودة في البلاد، حتى أن العمال الكردستاني قام بإرسال عدد من مقاتليه إلى شمال سوريا، لمساندة حزب الاتحاد الديمقراطي، في ظل استمرار مفاوضات السلام والتسوية مع الحكومة التركية..
كما أن الظهور المفاجئ لغول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كان له تأثيرًا مزدوج، سواء من ناحية تسهيل عمل نظام الأسد وقواته، أو إكساب الاتحاد الديمقراطي صورة المنظمة التي تقف أمام داعش، لدى الرأي العام الغربي.
وحدة تركيا
ففي الصورة المرسومة أمام الرأي العام العالمي، كما أن تركيا لا تستطيع أن تمرر كلمة لها إلى أمريكا وأوروبا، رسمت لنفسها موقف الدولة المقربة من داعش في مواجهة الاتحاد الديمقراطي الكردي؛ الأمر الذي ساهم في إضعاف الموقف السياسي المؤثر لتركيا عند الغرب.. بل وأصبحت سياستنا الخارجية مجبرة على أن تكون أكثر مرونة.
فبالإضافة إلى افتخار الحكومة والحزب الحاكم دائمًا، بأنهم يقفون منفردين في مواجهة النظام الديكتاتوري السوري، والإنقلاب العسكري في مصر، فإنها تظهر الآن على الساحة العالمية منفردة مرة أخرى في مواجهة التطورات الأخيرة التي تشهدها كل من سوريا والعراق!
فالمنطق الذي يتجلى من وراء أحداث العنف المتصاعدة على الأراضي التركية، في هذا الحدث، واضح وبين، يدفع تركيا لتنازلات كبيرة، في مفاوضات أحادية الجانب، ومنذ بادئ الأمر، كان الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني بجبال قنديل، يتصرف وفقًا لمبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”.كما أنه لم يترك ورقة الحل العسكري، مثلما لم ينسحب إلى خارج البلاد. كما أن ترك اتحاد المجتمعات الكردستانية، الموضوع على رأس قوائم المنظمات الإرهابية لدى الحكومة التركية، حرا طليقا، يعزز موقف الكردستاني في مفاوضات التسوية الخاصة به… وأعمال العنف التي شهدتها البلاد في 6-7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أحد الأمثلة على ذلك.
بعد ذلك..
هذه اللوحة تظهر لنا مدى كبر حجم، وتداخل الأزمة والمشكلة التي نحن بصددها، فالرجوع مرة أخرى إلى أساليب العنف، واللجوء للسلاح، سيكون مصيبة وكارثة تقع على رؤوس الجميع، لهذا فإن مفاوضات السلام والتسوية يجب أن تستمر، ولكن أود أن ألفت الإنتباه إلى نقطتين مهمتين:
-النقطة الأولى: أنه من الخطأ أن يغض مثقفونا النظر عن توجيه انتقادات حقيقية وجدية لكل من حزب العمال الكردستاني، والاتحاد الديمقراطي، والقيادة العسكرية الكردية بجبال قنديل، أو حتى لمخربي أحداث 6-7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، ويكتفون بتوجيه الانتقادات للحكومة الحالية، فقط من أجل توجيه التهم إليها وإدانتها…
فلماذا لم تنسحب العناصر المسلحة للعمال الكردستاني للانسحاب من الأراضي التركية؟ هل يقوم بجولة ترفيهة بأراضينا؟
– النقطة الثانية: هل تدير الحكومة هذا المفاوضات برؤية، ومهارة؟ ألا تستطيع أن تديرها أفضل من ذلك؟ فالمبادئ التي تقوم عليها المفاوضات صحيحة؛ إذ تقوم على فتح القنوات السياسية المتاحة للحركات المسلحة في البلاد، بينما يلتزم الطرف الآخر بالابتعاد عن العنف، ويترك السلاح في خلال مهلة محددة. ولكن الأحداث الأخيرة تكشف لنا أن الطرف الآخر لم يلتزم بشرط التخلي عن نهج العنف، وأن هذه المفاوضات إما أنها لم يتم التخطيط لها جيدًا، أو أنه لم تتم إدارتها بطريقة صحيحة.
فالمفاوضات يجب أن تستمر، ولكن الخطوة التي يجب أن تتبع ذلك الإجراء هي أن يتم انهاء العنف…