جنكيز تشاندار
إن عبور البشمركة إلى كوباني عبر الأراضي التركية حادث أهم بكثير مما يبدو عليه في النظرة الأولى. فهو تطور تاريخي.
ما هي البشمركة؟
هي القوات المسلحة التي باتت جيشًا نظاميًا لكردستان العراق.
أين تقع كوباني؟
في كردستان سوريا (روج أوفا) وهي مدينة كردية على الحدود التركية، وما زالت تقاوم داعش منذ شهر مقاومة جعلت أمريكا تغير سياستها في المنطقة.
من هم الذين يقاومون في كوباني؟ ومن هم الذين يدافعون عنها؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]طبعًا قد تكون لأنقرة حسابات خلف سماحها للبشمركة بالعبور من أراضيها إلى كوباني لتغيير مسيرة الحرب فيها، بعد أن انتظرت سقوطها في يد داعش ووقفت متفرجة على الحرب الدائرة فيها. وقد يكون الهدف موازنة تأثير منظمة الدفاع الشعبي الكردستاني (YPG)، أي تأثير كل من حزبي الاتحاد الكردي والعمال الكردستاني في كوباني، الذيْن تراهما حكومة العدالة والتنمية “عدوين لتركيا”،(موازنته) بمدينة أربيل الكردية التي تترك انطباعاً بأنها “الحليف الأوحد لأنقرة في المنطقة”.[/box][/one_third]منظمة الدفاع الشعبي الكردستاني (YPG)، وهي القوات المسلحة في كانتون كوباني، وليس سرًا أنه يوجد في إدارة هذه المنظمة عناصر من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) الذي هو الأخ التوءم لحزب العمال الكردستاني (PKK). وبالتالي فإن منظمة (YPG) هي الأخ التوءم لمنظمة (HPG)؛ الجناح العسكري للعمال الكردستاني (PKK).
ومن السهل أن نعرف كيف أصبحت كوباني “ملحمةً كردية مشتركة” وكيف صارت “اللبنة الأساسية” في مرحلة “بناء شعب“. فمنذ أيام وبشكل يومي يتم حمل جنازات عناصر من منظمة الدفاع الشعبي الكردستاني (YPG) وبعبارة أخرى “شهداء الأكراد” في سروتش، وحكاري، وديار بكر، وحتى في بعض مناطق كارس.
ويتم إدخال الجنازات إلى تركيا عبر المنفذ الحدودي “مرشد بينار”، ثم يُنقل جثمان كل من القتلى إلى مدينته. وخلال الشهر الأخير التحم أكراد سوريا بأكراد تركيا وأصبحوا كالظفر واللحم من أجل كوباني. وليست هناك صورة لهذا الوضع أبلغ تأثيرًا من مجيء جثامين الشهداء الأكراد ليدفنوا في مختلف أرجاء تركيا.
إن ما يجعل عبور البشمركة من الأراضي التركية إلى كوباني تاريخياً هو تلك الخلفية.
وهناك شكوك حول ما إذاكان للأهمية الفائقة لوصول البشمركة إلى كوباني تأثير على تغيير الموازين العسكرية.
فأعداد قوات البشمركة الذين جاؤوا إلى تركيا 150 شخصًا فقط، إذ إن القدر أو المصير الذي تعيشه كوباني ليس ناتجًا عن نقص هذا العدد من المقاتلين البتة.
ومع أن قدوم 150 مقاتلاً من قوات البشمركة وهم مجهَّزون بمضادات الدبابات والمدافع ذوات العيارات المختلفة وغيرها من الأسلحة اللازمة لمقاومة داعش سيريح المقاومة الكوبانية، إلا أننا نكرر أن البشمركة ذهبت إلى كوباني في “مهمة تاريخية” لا “عسكرية”.
والجانب الرمزي فيها هو إبراز “الوحدة القومية الكردية“.
البمشركة لم تقم بأداء عسكري بارز في مواجهة داعش. فقد كانت أقوى العمليات في مواجهة داعش هي تلك التي قام بها عناصر (HPG) المدعمومة جويًا من قبل القوات الأمريكية في العديد من المناطق في شنكال ومخمور وغيرها. وحين فتح مسعود البارزاني ملف تحقيق حول ضباط البشمركة الذين تركوا جبل شنكال ذهب بنفسه إلى قياديي (HPG) لتهنئتهم وكأنه هنَّأ (YPG) في كوباني.
إذن فقد كان الرئيس الدوري لـحزب الاتحاد الكردي (PYD) صالح مسلم على حق حين أصرَّ مرارًا وتكرارًا على أنهم يحتاجون إلى الأسلحة الثقيلة لا إلى المحاربين.
طبعًا قد تكون لأنقرة حسابات خلف سماحها للبشمركة بالعبور من أراضيها إلى كوباني لتغيير مسيرة الحرب فيها، بعد أن انتظرت سقوطها في يد داعش ووقفت متفرجة على الحرب الدائرة فيها. وقد يكون الهدف موازنة تأثير منظمة الدفاع الشعبي الكردستاني (YPG)، أي تأثير كل من حزبي الاتحاد الكردي والعمال الكردستاني في كوباني، الذيْن تراهما حكومة العدالة والتنمية “عدوين لتركيا”،(موازنته) بمدينة أربيل الكردية التي تترك انطباعاً بأنها “الحليف الأوحد لأنقرة في المنطقة”.
في الوقت الذي كان يُنتظر فيه قدوم البشمركة إلى كوباني، كان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو يدلي لقناة (BBC) بالتصريحات التالية :
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]وكانت حكومة العدالة والتنمية تمتلك فرصة للتوصل بنجاح وبسرعة إلى هدفها في مسيرة السلام من خلال كوباني. ولكنها أضاعت تلك الفرصة، ونتمنى ألا تضطر تركيا إلى دفع فاتورة تاريخية باهظة بسبب “قصر نظرها” و”هواجسها الأيديولوجية”.[/box][/one_third]“إذا كان يُنظر لحزب الاتحاد الكردي (PYD) على أنه أكراد سوريا فعلينا ألا ننسى بأنها تعاونت مع النظام على مدى 3 سنوات وساعدته في حربه على الشعب السوري. وهي تعيش جنباً إلى جنب مع داعش منذ سنة، وكانت تمارس الضغط على المجموعات السورية الكردية الأخرى. وعلينا الآن تحديد من هو المستعد للحصول على هذه المساعدات. فحزب الاتحاد الكردي (PYD) لا يرغب بمجيء الكثير من عناصر البشمركة إلى الجبهة، وتتجنب التعاون مع الجيش السوري الحر. إذن فماذا ينتظرون منا أن نفعل؟ فثمة 3 قوى لا نرغب برؤيتها على حدودنا: النظام السوري، وداعش، وحزب العمال الكردستاني (PKK)، فكل هذه القوى أعداء لتركيا وتشكل خطرًا وتهديدًا لها”.
وإن لم يكن الهدف هذا فكيف يمكن تفسير سماح تركيا للبشمركة بالعبور من أراضيها في الوقت الذي يقول فيه داود أوغلو هذا الكلام؟
فإما أن هناك جهودًا ترمي إلى موازنة “الأكراد الأعداء لتركيا” في كوباني بـ”الأكراد الأصدقاء” في أربيل من خلال السماح للبشمركة بالعبور إلى سوريا عبر الأراضي التركية، وإما أن تركيا خضعت أمام الضغوط الأمريكية لفتح ممرّ.
وليس مهمًا أي الاحتمالين هو الصحيح. فلا تتغير الدلالة التاريخية لوصول قوات البشمركة إلى كوباني باعتبارها قوة “رمزية” تتمثل في 150 مقاتلا. وهذه هي المرة الأولى التي تعبُر فيها إحدى القوى المسلحة التابعة للأكراد المتفرقين من الأراضي التركية التي يوجد فيها أكبر تجمع للأكراد من أجل دعم مجموعة كردية أخرى في أحد مناطق انتشار الأكراد.
إن “صورة قوات البشمركة” التي هربت سنة 1988 من صدام حسين ولجأت إلى تركيا قد تغيرت اليوم لتصبح “البطل المخلِّص” الذي يعبر من تركيا للوصول إلى كوباني. وهذا التغير ليس مجرد تغير طفيف.
وحتى إن خروج قوات البشمركة المحدودة من أربيل ومرورها عبر دهوك وزاخو بحفاوة وتكريم، وعبورها من تركيا إلى سروتش في الظلام بشكل متوارٍ عن أنظار أكراد تركيا لا يلغي الدلالة الرمزية لهذا التطور.
علينا ألا ننسى أن خروج 150 مقاتلا من البشمركة من أربيل ودخولهم إلى كوباني عبر سروتش لم يتحقق إلا بعد التوصل إلى اتفاق بين البارزاني وحزب الاتحاد الكردي (PYD) في دهوك قبل أسبوع، والتوقيع على ما سمي بـ”اتفاقية دهوك”، وهي بمثابة مصالحة بين الأكراد.
ولا يمكننا رؤية الكثير من التطورات المستقبلية إذا لم نر الدبلوماسية الأمريكية والأوربية (خصوصًا الألمانية) وراء كل هذه التطورات.
وثمة “رمزية” أخرى صادمة هنا: ألمانيا تساعد البشمركة أي أكراد العراق بتقديم الدبابات، وأمريكا تُلقي الأسلحة التي نقلتها من أكراد العراق إلى قوات منظمة الدفاع الشعبي الكردستاني (YPG) في كوباني بواسطة طائراتها.
وقد خصصت مجلة “در سبيجل“، من أهم المجلات وأكثرها انتشارًا في ألمانيا، كامل غلافها لقضية كوباني. وكان مقالها الرئيس يحمل عنوان “الشعب المتروك” أي الأكراد. وأكتفي بذكر هذا المقطع الوارد في المقال الذي يجب قراءة كل سطر فيه بتركيز، والذي يزيح الستار عن تبني الغرب للقضية الكردية، حتى إنه ينقاش مسألة شطب اسم حزب العمال الكردستاني (PKK) من قائمة المنظمات الإرهابية على الرغم من التعارض مع تركيا في هذا الصدد:
ما كان ليخطر على البال قبل عدة سنوات أن يشرع الغرب في التعامل مع العمال الكردستاني؛ ذلك لأنه كان يحتلّ الصدارة في قائمة المنظمات الإرهابية، لقتله الكثير من المدنيين في تركيا منذ 30 سنة. ولكن هذه المنظمة التي كان يحتقرها الكثيرون في الغرب أصبحت الآن بطلاً يخلص الشرق الأوسط من خطر داعش. لأنها قوة وحيدة يمكن لها أن تحارب داعش، قوة فاعلة ومنضبطة، إلى جانب كونها علمانية موالية للغرب.
وكانت حكومة العدالة والتنمية تمتلك فرصة للتوصل بنجاح وبسرعة إلى هدفها في مسيرة السلام من خلال كوباني. ولكنها أضاعت تلك الفرصة، ونتمنى ألا تضطر تركيا إلى دفع فاتورة تاريخية باهظة بسبب “قصر نظرها” و”هواجسها الأيديولوجية”.
البشمركة في كوباني، أما أنقرة فباتت كاللاعب المتسلل فيها.