نازلي إيليجاك
لاشك في أن أولوية الغرب هي القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي “داعش” ، أمّا تركيا فتحافظ على رغبتها في سقوط نظام الأسد بين أهدافها الرئيسية مع أنها نعتت داعش بالمنظمة الإرهابية في الوقت ذاته.
يُرجع رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ورفاق دربه السياسيون وجود تنظيم داعش إلى مواصلة بشار الأسد البقاء في الحكم في سوريا، بينما ترى الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، إمكانية استخدام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD ضد داعش نظرًا لما تمليه الأوضاع الراهنة التي تستوجب السرعة في حل الأزمة، لذلك أرسلت أمريكا أسلحة وذخائر بطائرات خاصة إلى بلدة عين العرب (كوباني)، فضلا عن أنها مهدت الطريق لعبور قوات البشمركة الحدود التركية بأسلحة ثقيلة بعدما ضغطت على حكومة أنقرة.
ورأينا تركيا، التي وصفت حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه تنظيم إرهابي مثل حزب العمال الكردستاني وهما شريكان في نفس المهمة، منزعجة من معونات الأسلحة التي أرسلتها أمريكا؛ إذ أن سياسيي حزب العدالة والتنمية يثقون في الجيش السوري الحر أكثر من الاتحاد الديمقراطي، إلا أن هذا الجيش الذي ينبثق منه العديد من المنظمات الإسلامية المتطرفة خسر ثقة الغرب عمومًا، هذا فضلا عن أن الاتحاد الديمقراطي لايرغب في الأساس في وجود الجيش السوري الحر في كوباني.
وبدأ العالم الغربي يرى أن رحيل الأسد، وليس بقاءه، قد يخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، في الحقيقة أنه لو كان من البداية تم اختيار البحث عن حل لإقناع الأسد بدلا عن إشعال حرب أهلية ودعمها، لربما لم تكن اندلعت هذه التطورات الأخيرة التي تعصف بالمنطقة، لكن أصدقاءنا المسؤولين الأتراك وضعوا سوريا نصب أعينهم ربما بسبب الرغبة في فتح البلاد التي يحملونها في جيناتهم الوراثية، لو لم يكن الأمر كذلك فكيف سنفسر قول أردوغان: “سأصلي في أقرب وقت في الجامع الأموي في الشام (دمشق)” الذي قاله في 5 سبتمبر/ أيلول في عام 2012، ومضى حتى الآن عامان، ولم يتحقق له ما يحلم به.
غير أن المسؤولين في الحكومة التركية لم يعترفوا، بشكل من الأشكال، أنهم انتهجوا سياسة خاطئة تجاه سوريا، وهذا ما جعل الأمر يزداد سوءا، وأضحت تركيا تزداد غرقا في المستنقع الذي وقعت فيه كلما حاولت الخروج منه.
أعرب رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في تصريحات لقناة “بي بي سي” ،الناطقة بالتركية، عن عدم رغبة حكومته في تواجد حزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي وتنظيم داعش والنظام السوري (الأسد) على حدودها وبجوارها، إلا أن المعطيات الراهنة لا تشير إلى ذلك، فمع تواصل الأوضاع بالشكل الحالي، قد يكون داعش أو الاتحاد الديمقراطي قريبا أحد جيران تركيا، بل وقد تتغير حدود تركيا لا قدر الله، وهذه النتيجة ناجمة في الأساس عن الربيع العربي بنسبة كبيرة، إلا أنه كان بإمكان تركيا أن تتبنى سياسة أكثر اعتدالًا تجعلها تحافظ على ثقلها في المنطقة وتقوم بدور وساطة مع الأسد لتجعله يقف على خط معتدل، ولعل محافظة سوريا على وحدة ترابها واتحاد طوائفها الإجتماعية وحماية حدودها كانت هي الحل الوحيد الذي يناسب مصالح تركيا.
مسيرة السلام الداخلي مع الأكراد !!!
أدلى رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو بمعلومات مهمة في الاجتماع الأخير الذي عقده مع أعضاء لجنة الحكماء المشَكلة خصيصًا للتعريف بمسيرة السلام الداخلي، وجاءت كلمته على النحو التالي:
“توجه مستشار جهاز المخابرات الوطني التركي حقان فيدان يوم 3 سبتمبر/ أيلول 2014 إلى مدينة إيمرالي للتباحث مع الزعيم الإرهابي عبد الله أوجلان حول خارطة الطريق، وبالفعل توصلا إلى اتفاق بنسبة 100 في المئة حول ذلك، وعليه قام كل من برفين بولدان وسرّي ثُريّا أوندار، النائبين بحزب الشعوب الديمقراطية، بحمل خارطة الطريق إلى جبال قنديل0مقر الجناح العسكري للعمال الكردستاني) ،ووافق المسؤولون هناك على هذه الخارطة، وفي 10 سبتمبر لدى عودتهما من قنديل التقى أحمد داود أوغلو شخصيًا ببولدان وأوندار لتسريع وتيرة مفاوضات السلام وليسمع بآذانه ذلك”.
وتساءل رئيس الوزراء قائلا: “نحن نتخذ هذه الخطوات، لكن هل تضمنون لنا أنتم إنهاء القيام بقطع الطرق وخطف الناس وجمع الخراجات ونصب المحاكم في المخيمات خارج المدن والقيام بأعمال معارضة لنظام الدولة”، فأجاباه “لن يبق هناك أي نشاط واحد غير شرعي في تركيا حتى 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وسترون بأنفسكم التغيير في ظرف أسبوعين”.
وعقب ذلك اندلعت أحداث الـسادس والسابع من أكتوبر، التي أسفرت عن مصرع 42 شخصًا. وطالبت الحكومة تدخل عبد الله أوجلان لوقف الأحداث، وسرعان ما توقفت أعمال الشغب التي اجتاحت البلاد، ثم أدلت الحكومة بعمل تصريحات بشأن عملية السلام، قررت فيها أن يتم تشكيل أمانة عامة يكون فيها أوجلان رئيس المفاوضين وما إلى ذلك.
لكن الأحداث لم تصل إلى نهايتها، فقد أصيب مدير الأمن في مدينة بينجول شرق تركيا في 9 أكتوبر، وتم قتل اثنين من نائبيه، وتواصلت جرائم منظمة حزب العمال الكردستاني أو المنظمات الإرهابية ذات الصلة بها، وفي 25 أكتوبر، تعرض جندين وعرّيف كانوا يرتدون زيا مدنيا لهجوم مسلّح في منطقة يوكساك أوفا بمدينة حكاري جنوب شرق البلاد، وتم قتلهم كذلك، وفي منطقة طاطوان بمدينة بتليس تم العثور على جثة حارس قرية موثوقة بأحد أعمدة الكهرباء، كما أعلنت القوات المسلحة التركية، خطف شاحنة محملة بـ 400 كيلو جرام من نترات الامونيوم، التي يتم استخدامها في صنع المتفجرات، ونشرت وسائل الإعلام المعلومات التي أدلى بها العمال الكردستاني عن تعزيز المقاتلين والأسلحة في شيرناق وحكاري.
أي مسيرة للسلام هذه؟ يتم التوصل إلى الاتفاق، ولا تزال الجرائم مستمرة.
لما كان يالتشين أكدوغان في منصب كبير مستشاري رئاسة الوزراء كان يثني على عبد الله أوجلان عاطر الثناء، ولإعد إلى أذهانكم أحد تصريحاته، حينما قال: “أعتقد أن أوجلان يقرأ مسيرة السلام على نحو جيد أكثر من الآخرين، حيث مر من مراحل مختلفة في سوريا ودول عديدة أخرى، ولديه قابلية وخبرة قراءة الأحداث، وإذا أمعنتم النظر في الرسائل التي قدمها مقارنة بما قدمه الآخرون نجد أنها تعكس مدى اهتمامه وتفكيره في مستقبل مسيرة السلام”. (يونيو/ حزيران 2014)
لكن أكدوغان نفسه من قال عقب أحداث السادس والسابع من أكتوبر: “لدي قناعة بأن أوجلان هو من يشعل فتيل تلك الاحتجاجات والأعمال التخريبية التي تحدث”. (أكتوبر 2014)
وكان تصريح نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة بولنت أرينتش بمثابة النقطة الأخيرة، حيث قال: “يقول أحدهم سيتم تأسيس أمانة لأوجلان ، وأنا أيضا سأكون أحد أعضائها…قيل هذا في هذه الفترة التي نشهد هذه الاحتجاجات ودماء رجال شرطتنا وجنودنا لم تجف بعد على الأرض، لن ننظر في وجه من يقول ذلك ولا نلتفت إليه، وربما لا نلفظ بأفواهنا كلمة مسيرة السلام في هذه الآونة، فنحن لسنا مضطرين ومجبرين عليها”.
من الواضح جدا أن الأذهان متشوشة إلى أمد بعيد، من ناحية يتم إقامة دولة كردية في شمال سوريا، ومن ناحية أخرى يقوم العمال الكردستاني بأعمال تخريبية تلطخ تركيا بأكملها بالدماء بإشارة واحدة، أمّا رجال الأمن الأكفاء المنوط بهم أعمال الاستخبارات فزج بهم إلى السجون.
وكتبت صحيفة “يني شفق” التركية الموالية للحكومة خبرًا على صدر صفحاتها حمل عنوان: “قائمة المطلوب القضاء عليهم.. العمال الكردستاني يشكل القائمة الرامية لتحويل تركيا إلى عقد التسعينييات” ،وكما هو واضح من العنوان الرئيس لهذه الصحيفة، التي تعتبر المتحدث باسم الحكومة، فإن مسيرة السلام تفقد أرضيتها.. واأسفاه!