جوكهان باجيك
لننظر إلى المشهد أولاً.. المنظومة السياسية الكردية تعمل على قطع الطرق وتسجل المخالفات المرورية، حتى إنها أوقفت أحد المدعين العامين للتحقق من هويته، وتستطيع أن تشلّ الحياة اليومية تماما في إحدى المدن إذا شاءت، وذلك من خلال منظمة حزب العمال الكردستاني (PKK) واتحاد المجتمعات الكردستانية (KCK) وما شابههما من تنظيمات.
وهذه المنظومة نفسها تقوم باعتقال المواطنين الأتراك الذين هم تحت سيادة القانون التركي في الظروف العادية، وتأخذهم إلى محاكمها الخاصة بها.
معنى ذلك حسب علم السياسة هو: أن هناك إدارة فعلية على أرض الواقع.
الاتصالات الدولية
لقد بدأت الإدارة الكردية بإنشاء نوع من العلاقات الدولية خارج الحدود التركية، وبدأت قوى التحالف بالتواصل مع ممثلي منظمة الدفاع الشعبي الكردستاني (YPG) أثناء أحداث كوباني.
الموالون للحكومة في تركيا يقولون: “إنه لم يبق مدنيون في كوباني” حسب الأخبار الواردة ، إذن قوات البشمركة الذين عبروا عن طريق تركيا إلى كوباني سيساعدون مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (YPG) أي عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK).
وكل هذا سيرتب نتائج وأوضاعًا قانونية على المدى الطويل.
وقد سمحت تركيا فعلا للبشمركة بالعبور من أراضيها من خلال مذكرة مجلس الأمة التركي (البرلمان) ،وذلك لدعم حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ضد داعش.
وكل هذه العوامل مجتمعة تشير إلى نشوء دولة كردية إقليمية فعلية تكسب الاعتراف الدولي الرسمي، ونحن نرى أنفسنا في مواجهة دولة حقيقية تحت تأثير حزب العمال الكردستاني.
ولكن ما هي المشكلة؟
المشكلة هي: أن وجود دويلة كردية إقليمية يقع جزء منها ضمن الأراضي التركية أصبح أمرًا واقعًا.
وبذلك تكون المسألة قد وصلت إلى أدق نقطة فيها: أي أن المسألة باتت عبارة عن تقاسم السيادة، وتركيا ستتقاسم السيادة أو أن الكارثة على الأبواب.
ونظرًا للوضع الراهن يبدو أنه لا أحد يريد أن يكون سببا لوقوع الكارثة لأنها قد تكون دامية جدا، ولكن من جهة أخرى وصل الطرف المقابل بالأمر إلى درجة لا تطاق بالنسبة لأنقرة.
لكن هل يمكن إرغام العمال الكردستاني على الرجوع عن النقطة التي وصل إليها؟ وهل ثمة سياسي أو قائد عسكري (جنرال ) يجد في نفسه شجاعة لتحمل عواقب ذلك ؟
مأزق مسيرة السلام
بدأت مسيرة السلام بنية حسنة، لكن لم تتخذ الإجراءات الأساسية التي لا بد منها من أجل تحقيق ذلك، فقد تحولت مسيرة السلام إلى لعبة مماطلة، وقولهم: “لا تأتي أخبار بسقوط الشهداء” الذي كانوا يرددونه حتى اليوم يبدو أنه تحول إلى مقولة: “لولا مسيرة السلام لمات عدد أكبر من الناس” بعد مقتل العديد من الجنود في الأيام الأخيرة، العبارتان متشابهتان ولكن ثمة مأزق في الأمر: عندما تحولت مسيرة السلام إلى خداع ومماطلة فالظاهر أن العمال الكردستاني استفاد من الوقت الماضي أكثر وأفضل من الحكومة.
تصوروا أن العمال الكردستاني في العامين الأخيرين بسط سيطرته على مناطق واسعة في تركيا كما زاد من نفوذه في سوريا.
مختصر الكلام : أن منظمة حزب العمال الكردستاني أثناء مسيرة السلام كانت لها خطة بديلة محسوبة ومدروسة جيدًا على ما يبدو، وحسب هذه الخطة البديلة فإن العمال الكردستاني استعد لتوسيع سيادته في المنطقة، حتى وإن انتهت مسيرة السلام، ولا يمكن أن نعدَّ هذه الخطة فاشلة حسب الأوضاع الراهنة.
لكن لانعلم على وجه الدقة ماهي الخطة البديلة لأنقرة، فهي غالبا ما تعمل لتجاوز المشاكل باتخاذ تدابير مثل وضع قانون الحظر الإعلامي كي لا يسمع الشعب ما يحدث من المشاكل أو يعلم حقيقة ما يجري.
ما الذي سيحدث؟
من المحتمل جدا أن الدويلة الكردية الفعلية ستزداد قوةً كلما مر الوقت.
وماينبغي على أنقرة فعله هو أن تسارع إلى إيضاح حزمة القوانين التي ستقترحها على الأكراد في مسيرة السلام، وأن تخطو خطوات جادة لتحقيق ذلك، وإلا فليس أمامها سوى الاستمرار في الحلول الآنية لتكون الفائز اليوم، لكن عليها ألا تنسى بأنها في الوقت الذي تنوي أن تكون فائزة اليوم أنها ستكون الخاسر للعملية بأكملها .