بقلم: أمره صونجان
وثيقة سياسة الأمن القومي التي تحتوي على قائمة التهديدات الداخلية والخارجية، والمعروفة بالكتاب الأحمر، ظلت منذ سنوات عديدة تُستخدم كوسيلة للوصاية العسكرية.
وبعد انسحاب القوات المسلحة التركية إلى حدود مجالها الخاص بها تتوسل السلطة المدنية هذه المرة بالنهج نفسه، إذ تحاول السيطرة على المجتمع عبر وثيقة سياسة الأمن القومي.
وجاء في البيان الذي أعقب اجتماع مجلس الأمن القومي، الذي ترأسه الرئيس رجب طيب أردوغان ما نصه: “تم التشديد على الاستمرار في المكافحة بصرامة للكيانات الموازية والجماعات غير القانونية التي تهدد أمننا الوطني والتي تزاول نشاطات غير قانونية متسترة بمظهر قانوني في الداخل والخارج، والأيام القادمة ستكشف عما إذا كانت طلبات أردوغان غير الديمقراطية ستُنفذ أم لا.
وفي الحقيقة أصبح عدد من الطرق الصوفية والجماعات الدينية والحركات السياسية التي تضم المتدينين مستهدفة بالكتاب الأحمر، وكانت حركة الرؤية الوطنية” مللي جروش” حين كان أردوغان منتسبًا إليها مستهدفة من قبل الكتاب الأحمر في ظل الوصاية العسكرية إبان انقلاب 28 فبراير/شباط، وكان الرئيس الحادي عشر عبد الله جول قد قال في أحد لقاءاته الصحفية وهو يتحدث عن ورود اسم حركة الرؤية الوطنية في وثيقة سياسة الأمن القومي: “طلب أربكان إحضار مثل هذه الوثائق إلى مكتبه بصفته رئيس الوزراء واجتمع بنا وأطلعنا على تلك الوثائق في فترة 28 فبراير/شباط ورأينا أن الوثائق كان فيها اسم أربكان واسم حركته وعنوان مقرها ونبذة عن تاريخها مع أسماء بعض القوميين وبعض الشخصيات اليسارية المعروفة، فقلنا حينها لا يمكن تقبل هذه الوثائق التي تشكل تهديدًا صارخًا لوجودنا، ويجب تغييرها، وكان الوقت قد حان لتغيير هذه الوثائق، لكن أربكان تحدث عن هذا الموضوع في اجتماع الكتلة البرلمانية، حيث تكلم بشكل غير مباشر لكنه تطرق إلى الموضوع، وأرى أن النتائج الملموسة التي تمخضت عن انقلاب 28 فبراير/شباط تسارعت بعد حديثه هذا”.
وكانت الحركة القومية تعرف بالكتاب الأحمر في مجلس الأمن القومي حين اعتُبر من العناصر التي تشكل تهديدًا وقد وصف ب (المافيا القومية) عام 1997. وقد اعتبر اليمين المتطرف عنصر تهديد بسبب المافيات القومية، وكانت بعض الأطراف قد نوهت بأنه يراد للقومية التركية أن تتجه نحو العرقية من جانب بعض الفرق.
وكان من بين أبرز الأسماء في الحركة القومية “يلماظ دوراق” الملقب بزعيم القوميين في الشرق، والذي أفاد: “لقد اعتُبر حزب الحركة القومية والقوميون خطرًا مباشرًا على الدولة، هكذا كان الوضع قبل 12سبتمبر/أيلول أيضا، لأنه كان نتيجة المطالب الدولية، وقد عاشت الحركة القومية مثل هذه الأزمة في هذا البلد”، ويقول إنه لا يتم اتباع مثل هذه الإجراءات إلا لمنع المساءلة عن فساد الحكومة.
وقد ألغي اعتبار اليمين المتطرف تهديدًا في التقرير السياسي المعدَّل في عام 2005، وفي 2010 تم للمرة الأولى عدم اعتبار “الرجعية الدينية” من بين العناصر المهدِدة، واستخدم مصطلحا “المتاجرة بالدين” و”المتطرفون الدينيون” بدلاً من الرجعية، وكانت الرجعية تُعدُّ بمثابة الإنفصالية في 1997 ، والآن يراد لحركة الخدمة التي يزعمون أنها الكيان الموازي أن يُسجَّل اسمها في قائمة التهديد الداخلي، وفوق ذلك فإن أرباب السياسة المدنية هم الذين يقومون بذلك.
كل أطياف المجتمع خطر محتمل
وكان أردوغان قد عبر عن دواعي هذه الإجراءات التي يريد تنفيذها بدوافع سياسية بحتة وغير قانونية، حيث قال: “ما الذي يأتي به هذا الأمر؟ إنه يعدُّ خطوة مهمة تغير نظرة القضاء والنظرة العالمية في مثل هذه الأحداث وذلك خطوة مهمة، فالدول التي ترتبط بروابط الأخوة والصداقة، لا يهملون القرارات أو التوصيات الصادرة عن رئاسة الوزراء أو مجلس الأمن القومي في مثل هذه الأمور”.
لكن الغاية الأساسية لأردوغان هي تكوين وعي بأن هذه المسألة مسألة دولة وليس مسألته الشخصية.
الكتاب الأحمر يؤدي دور سيف معلق فوق رؤوس المجتمع لتخويفه حتى يستمر بقاء أصحاب السلطة في الحكم، ووثيقة سياسية الأمن القومي كانت بالأمس وسيلة لزيادة نفوذ الوصاية العسكرية، أما اليوم فهي تُستخدم لاستمرارية سلطة أردوغان، وستستمر الحكومة أو الدولة تنظر إلى جميع أطياف المجتمع على أنها خطر محتمل حسب الأوضاع والفترات ما لم تتحول الديمقراطية إلى مؤسسة حيوية ومؤثرة وراسخة في تركيا.