بقلم: ياوز بايدار
إذا ألقينا نظرة فاحصة على الوضع الراهن في تركيا، يتضح لنا جليا أن الدولة عادت إلى تشغيل مصنع الفساد فيها، وكأنه لم يمض 12 عامًا منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم.
ولاريب في أن الانحطاط الأخلاقي والوجداني هما أكبر شرّ وبلاء يمكن أن يحل بمجتمعٍ تطلع بهوس وولع إلى التغيير.
تركيا تشهد في الوقت الراهن حالة حرجة من الانهيار الأرضي، فالطبقة السياسية المهيمنة أضحت ترتبط مجدّداً – بكل ما أوتيت من قوة – بأعمال الفساد التي حوّلت عقد التسعينيات في تركيا إلى كابوس.
وثمة أفراد متطوعون يشاركون في هذا التدمير الأخلاقي وهم شريحة ضخمة من البيروقراطيين ورجال الأعمال.
وقام حزب العدالة والتنمية الحاكم ببعث وإحياء عقلية الوصاية العسكرية من جديد بينما كانت على فراش الموت، ثم بدأت تتجوّل بيننا في ثوبها الجديد.
وأصبح مجلس الأمن القومي، الذي يعتبر الهيئةَ الرئيسة للوصاية في البلاد، محورَ استعادة مبدأ “الاستبداد” من جديد، وذلك تمهيدًا لإلحاق مفهوم “العدوّ الداخلي” المتعفّن في وثيقة سياسة الأمن القومي المعروفة بـ “الكتاب الأحمر”.
الدولة البوليسية تحت الإنشاء
وفي الوقت الذي يتم فيه إعادة تنظيم مجلس التعليم العالي، إحدى هيئات الوصاية في البلاد، التي أرسى جذورَها انقلابُ 12 سبتمبر/ أيلول عام 1980، بهدف التضييق على الحريات الأكاديمية والعلمية على نحو أكثر من السابق، وصل الوضع ببعض الشباب اللامعين الذين يعتبرون رأس المال البشري لهذا البلد أن يبحثوا عن مستقبلهم الأكاديمي خارج البلاد.
وكفى للذين يقولون إن عهد الوصاية قد ولى دون رجعة، أن ينظروا إلى التدخلات التي يقوم بها رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان على المستوى الشخصي ضد مدخني السجائر، حيث قال أردوغان لمعاونيه وهو يواصل جولته في حي “أسنلر” بعد حفل حكومي يوم الأحد الماضي، وهو يشير بإصبعه إلى مدخن في أحد المقاهي: “هذا الرجل الوقح انظروا إليه، الرئيس يقول له لا تدخن، لكنه يواصل التدخين” ،لا يندهش أحد إذا أُعلن قريبًا عن أوقات الذهاب إلى الخلاء وأوقات النوم والاستيقاظ.
وفي الوقت الذي يحدث فيه كل ذلك، هناك مساعٍ حثيثة لإنشاء آلية “دولة بوليسية” ضخمة في مسعىً لإنشاءِ نظام جنائي يعفي بدرجة كبيرة جناة ومجرمين متهمين بأعمال الفساد، والقضاءِ على المعارضة تماما.
وقد أطلقوا على هذا المخطط الشرير المبني على خليط من تقاليدَ وصِيَغٍ وضعتها “جمعية الاتحاد والترقي” و”البعث” اسم “تركيا الجديدة” وكأنهم يسخرون منا.
هل تلاحظون مشهد تركيا الحالي؟
كل شيء مشتت ومبعثر، وبدأ يسود الهرج والمرج من جديد، وما نشهده اليوم في تركيا عبارة عن حوار الطرشان (مع الاعتذار لذوي الإعاقة السمعية لهذا التشبيه)، بفضل الاسهامات التطوعية التي يقدمها الإعلام الكاذب، واللامبالي أحيانًا، والعائم في المياه الضحلة أحيانا أخرى.
وقد انضمّ الأكراد أخيراً إلى صفوف أولئك الذين أدركوا من قبل أن الشيئ المسمّى بمسيرة السلام الداخلي، بكل مظاهرها، ليست إلا أداة تكتيكية حيوية في الطريق الذي تسلكه الحكومة للوصول إلى عهد الحزب الواحد، ومع أنه لايزال لدي بصيص من الأمل، إلا أنه تبين أن السلطة الحاكمة تفتقر إلى المورد البشري اللازم وتفتقد إلى المرونة والمبادرة والمهارات.
إن توظيف موضوع يتعلق بالحقوق الدستورية لـ14 مليون فرد من المجتمع في إقامة نظام استبدادي لايفرق كثيرًا عن اللعب بالنار والبنزين في يد واحدة.
وللأسف الشديد، لم يعد “الانفتاح العلوي” الذي تلوكه الألسنة عبر سنوات طوال يبعث على الحماس والتفاؤل لدى العلويين، وكلما ترددت على أسماعنا الوعود الكاذبة المقدمة قبل خمسة أو ستة أعوام بالكلمات والعبارات ذاتها، وأطلقوا ويلات على أمهات المقتولين خلال أحداث الشغب نجد أن شريحة تمثل 8 ملايين من المجتمع قد فقدت ثقتها في النظام بصورة أكثر من السابق.
انظروا! إن تركيا 2014 قل فيها الشعور بالثقة تجاه العدالة إلى عشرين في المئة.
لقد عدنا إلى نقطة البداية من جديد.
انظروا إلى الصورة الكبيرة الحالية وليس الصراعات والمعارك اليومية.
سترون فيها جدول إفلاس سياسي مكلِف للغاية لم يتم الإعلان عنه بعدُ.
صحيفة “بوجون” التركية