بقلم: جولتكين أفجي
قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إنهم كانوا يعلمون أن العناصر المسلحة التابعة لحزب العمال الكردستاني لم تنسحب من الأراضي التركية إلى خارج الحدود وفقًا لما هو مقرر في مفاوضات السلام، لكنهم لم يناقشوا هذا الأمر ولم يعترضوا عليها حتى لاتتأثر مسيرة السلام سلبا من ذلك.
أما وزير الداخلية أفكان علا فقال هو الآخر إن الحكومة توصلت إلى اتفاق مع منظمة حزب العمال الكردستاتي في مدينة أوسلو بالنرويج، لكن الأخير هو من أفسد الاتفاقية ولم يعمل بها.
هذه التصريحات هي اعتراف خطير بجريمة ارتكبت مسبقا.
حتى المشاكل والقضايا الاجتماعية الخطيرة لا يمكن حلها باقتراف الجرائم، والمبادئ القانونية توضع أصلا لتحديد كيفية حل المشاكل ومعالجتها.
إن الميل إلى حل المشاكل عن طريق ارتكاب الجرائم ليس من شأن الدولة، بل هو من شأن التنظيمات الإجرامية.
وإن كنتم ستحلون المشاكل الاجتماعية بطرق غير قانونية فما هي مهمة الدستور، ولماذا يعمل إذن الجهاز التشريعي لإصدار القوانين؟
ولماذا تؤدون اليمين في البرلمان لتباشروا مهمتكم كنواب باحترام ماينص عليه القانون وأنكم ستعملون وفق الديمقراطية؟
إن الحكومة الإسبانية أثناء حلها المشاكل مع منظمة إيتا (ETA) الانفصالية والحكومة البريطانية خلال فترة مفاوضاتها مع منظمة الجيش الجمهوري الإيرلندي، المعروف بـ (IRA)، كانتا حريصتين كل الحرص على ألا ترتكبا أية مخالفة لقوانينهم حتى لا يتهمون بارتكاب الجرائم، كما لم تدخلا في مفاوضات مباشرة مع المنظمتين إنما أجريتاها بشكل يصون للدولة اعتبارها ويحفظ النظام العام.
لايمكن أن نصف التصريحات أو الاعترافات الصادرة عن رئيس الوزراء داود أوغلو ووزير داخليته أفكان علاء بأنها مناورة سياسية، وينتهي الأمر.
ولايمكن أيضًا تبرير فعلتهما بالقول “إن المحاسبة عن الإجراءات السياسية تتم عبر صندوق الاقتراع”، لأنه ليس هناك أي نص قانوني يقول ذلك، فالإجراءات السياسية إذا كانت تعتبر جريمة حسب القانون فيجب المحاسبة عنها وفقًا لقوانين العقوبات وفي المحاكم وليس في صناديق الاقتراع، هذا فضلاً عن أن تصريحات كلا المسؤولين تعتبر جريمة خطيرة وفقًا لما تنص عليه مواد الدستور الأساسي وقانون مكافحة الإرهاب وقانون العقوبات التركي.
إن المعايير القانونية العالمية تنص على صيانة القانون والديمقراطية وعدم السماح للإرهابيين على الإطلاق بالانتشار في منطقة داخل حدود الدولة، ولكن الحكومة التركية قد سمحت لهم بذلك، بل إن الأدهى من ذلك هو أنها غضّت الطرف عن نشاطات حزب العمال الكردستاني الإرهابي PKK في المنطقة وحالت دون قيام قوات الأمن بتنفيذ مهامهم ومسؤولياتهم، وجعلت بذلك المنظمة الإرهابية PKK تصل إلى وضعية قوية، إلى درجة وجدوا في أنفسهم جرأة للقول: ” لدينا قوة تمكننا من الحرب لمدة عشرين عامًا”.
وما تمكنت منظمة العمال الكردستاني الإرهابية PKK من بسط نفوذها وسيطرتها على المنطقة إلا بسبب انتهاج الحكومة منهجا خاطئا ومخالفا للقانون والدستور في مفاوضاتها أثناء مسيرة السلام.
وبطبيعة الحال فإن الحكومة لها مسؤولية قانونية عن وفاة حراس القرى والعناصر الأمنية الذين قتلوا أثناء فترة “مفاوضات السلام”.
النفاق الإعلامي في تناول موضوع العمال الكردستاني PKK
لا أجد أية مصداقية أو إخلاص لدى أولئك الصحفيين الذين يلجأون إلى استخدام لقب الحركة السياسية الكردية أثناء حديثهم عن منظمة حزب العمال الكرستاني.
فكلمة” إرهاب” في قاموس هؤلاء الصحفيين لاتصلح للاستخدام سوى مع تلك المجموعات غير القانونية التي لاتعجبهم، على الرغم من أن منظمة حزب الله في تركيا أيضًا على سبيل المثال كانت حركة كردية في الأساس، وقد مارس العنف وفعل ما فعل بعناصر العمال الكردستاني في مدينة باطمان شرق البلاد لكنها لا توضع في نفس التوصيف الذي وضعت فيه منظمة حزب العمال الكردستاني.
فلو أن حزب الله نهض من جديد وقام بضرب عناصر العمال الكردستاني لبادر هؤلاء الصحفيون إلى التباكي عليهم قبل المنظمة نفسها، وللتنويه فإنني شخصيًّا، كاتب المقال، قد قضيت سنتين من عمري (كان الكاتب مدعيا عاما في ذلك الوقت) مع المعتقلين من الكردستاني ومن حزب الله وهم في السجون، وأعرف أتباع المنظمتين حق المعرفة، وقد استمعت إلى عدد من كبارهم وقادتهم لساعات امتدت إلى الليل في بعض الأحيان .
ونتسائل الآن: “ماذا لو أن حزب الله الكردي هو من أرغم الأكراد بقوة السلاح وليس العمال الكردستاني، يا ترى هل كان الصحفيون أولئك سيطلقون على حزب الله أيضًا لقب “الحركة السياسية الكردية”؟ والجواب: لا أعتقد ذلك، لأن حزب العمال الكردستاني يحمل هوية يسارية علمانية ماركسية وثورية، كما أن بعض الصحفيين المنحدرين من أفكار يسارية ثورية تنتابهم نزعة الحنين والشوق لحزب العمال الكردستاني الإرهابي PKK .
أما عن المقارنة بين تنظيم الدولة الإسلامية( داعش) وبين العمال الكردستاني PKK، فكلاهما في الإرهاب سواء، فالأول يجزّ الرؤوس بكل وحشية، وقد فعلها عناصر العمال الكردستاني سابقًا عندما قتلوا الأطفال، ومزقوا جثة ياسين بورو وقطعوا آذان الجنود وأنوفهم وحملوها في جيوبهم، والأصل في الجريمة هو نفسها، أما طريقة ارتكابها فهي أمر فرعي.
والذي يُعرف الجاني هو قتله للناس وليس أسلوبه في القتل.
فإذا ماحلّلنا الأمر بعيون المتعاطفين مع العمال الكردستاني فسنجد أن تنظيم الدولة الإسلامية داعش أيضًا يزعم أنه يحارب من أجل أرضه وشعبه ولتحقيق الأهداف التي يرنو إليها، حتى أنه يحظى بشعبية تفوق شعبية العمال الكردستاني ، بل إنه أعلن عن تأسيس دولة وأصبح يحكمها ويديرها، ويملك من القوة الشعبية ما يملك، حتى استطاع السيطرة على مدينة الموصل بـ 800 مقاتل لا غير، ولا يغير وجود عدد من المقاتلين الأجانب الذين يتوافدون من كل حدب وصوب للانضمام إليه حقيقة وجود شعبيته القوية.
كما أن داعش كذلك حركة ثورية وحققت الثورة، ولكنه لم يحظ بما حظيت به منظمة العمال الكردستاني من احترام لدى بعض الصحفيين في تركيا لأنه ليس تنظيما يساريا.
على أية حال، كلاهما سواء في كونهما تنظيما إرهابيا حسب المبادئ القانونية العالمية، أو أن حزب الله في تركيا وتنظيم داعش هما أيضا حركتان شعبيتان كما وصف المحبون للعمال الكردستاني بأنها حركة شعبية.
إن المفكر الحقيقي والمخلص للقانون يعرِّف الإرهاب حسب المعايير القانونية العالمية وليس وفقًا لما تمليه عليه انتماءاته وعواطفه.