جمال تونتش دمير
إغراء المناصرين بالمال
كان هتلر أيضًا يمتلك قوة الشعور الجيد للغاية بنفسية الجماهير ومهارة استخدام الأسلوب الخطابي المناسب لهذه المشاعر، ويصف بعض المؤرخين هذه القدرة بـ”تنويم الجماهير” ،ويشرح ألفونس هيك، العضو السابق بمجموعة “شباب هتلر”، مشاعره النفسية في الخطابات الجماهيرية التي كان يلقيها هتلر، بقوله: “كنا نشعر بمشاعر جيّاشة بالفخر القومي بلغت حدًا هستيريًا، وكانت أعيننا تفيض بالدموع بعد انتهاء خطاب هتلر، وكنا نصيح بأعلى صوت “يحيا زعيمنا!” ،فمنذ تلك اللحظة أصبحت روحي وجسدي ملكًا لهتلر…”
بعكس هتلر، فإن جوبلز كان يعترف – صراحة – بأن خطاباته تهدف إلى الدعاية في المقام الأول أكثر من الأفكار المخلصة، وكان يخاطب أبسط الدوافع الداخلية للشعب الألماني مثل كراهية الأجانب والعنصرية وعدم الثقة بالنفس والحقد الطبقي، وكان يقول: “أستطيع أن أوجّه إرادة الشعب الألماني كمَن يعزف البيانو، كما يمكنني جعلهم يذهبون إلى أي مكان نريد”.
وكان جوبلز يستطيع أن يجعل الجماهير تقف على أقدامها لساعات لتستمع إلى خطاباته وهي في حالة من الانبهار، كما كان يجعلهم يرددون الأناشيد ويرفعون أيديهم ويتلون القسم الجماهيري، وكان يقوم بكل ذلك من خلال مخطط دقيق جدًا، وليس عن طريق الحماسة التي تسيطر عليه في أثناء إلقاء الخطاب.
لم يكن جوبلز يرحب بفكرة تعليم الناس؛ إذ كان يعتبرهم وسيلة ضرورية جاهزة دائمًا من الناحية النفسية لتحقيق أهداف سياسية محددة. وكان يتحدث قائلًا: “ديني هو الاشتراكية القومية، وحزبي هو معبدي”.
استطاع جوبلز أن يدخل ضمن قائمة الأشخاص القليلين الذين يديرون الحزب النازي بينما كان يبلغ من العمر 31 عامًا فقط سنة 1928، كما أسند هتلر إلى جوبلز عام 1930 مهمة الترويج للحزب، حيث جعله هذا الأمر المسؤول الأول في جميع وسائل البث والصحافة وفي مقدمتها صحيفة حزبه التي كانت تحمل اسم “مراقب الشعب” (Völkischer Beobachter).
أدار جوبلز الحملات الانتخابية أعوام 1930 و1932 و1933، وكذلك حملة هتلر في الانتخابات الرئاسية عام 1932، وأظهر ذكاءه في هذه الفعاليات الدعائية، وقد استحدث تقنيات جديدة كتنظيم مسيرات برفقة شعلات وفرق استعراضية وجوقات جماهيرية، ما لعب دورًا مؤثرًا في جذب انتباه الشباب الألماني المتعطش للحماس والفخر إلى الحزب. وكانت تلك الحقبة تشهد إنتاج شعارات جديدة باستمرار، كما كانت السينما والإذاعة يستخدمان بشكل فعّال في عملية الترويج للحزب النازي.
كان لجوبلز فضل في كل زيادة في أصوات الناخبين يحصل عليها الحزب النازي. وعندما أصبح هتلر، في نهاية المطاف، رئيسًا لوزراء ألمانيا يوم 30 يناير/ كانون الأول عام 1933، حجز جوبلز لنفسه مقعدًا في الحكومة متوليًا منصب “وزير الدعاية والتوعية الشعبية”. وكانت لديه مهمة وحيدة؛ ألا وهي استغلال كل إمكانات وزارته لإخضاع جميع عناصر الحياة الثقافة والفكرية في ألمانيا، وعلى رأسها السينما والإذاعة والفنون المصورة، للسيطرة النازية. وكتب في مذكراته بتاريخ 3 مايو / أيار من العام نفسه عبارة قال فيها: “نحن سادة ألمانيا من الآن فصاعدًا”.
نظّم جوبلز فعالية مؤثرة للغاية ترمز إلى ألمانيا الجديدة؛ إذ أصدر تعليمات إلى الشباب النازي الواقع تحت سيطرته، يوم 10 مايو/ أيار 1933، بجمع أكثر 20 ألف كتاب قرروا ضرورة ألا يقرأها الشعب الألماني، وأمرهم بحرقها كافة في ميدان Beblplatz بالعاصمة برلين وسط احتفال مهيب، وقال جوبلز في هذا الاحتفال إنه يلعن جميع الكتب التي ألّفها اليساريون والليبراليون وغير الألمانيين واليهود، مضيفًا: “نحن نطهر روح الألمان”، وكان ذلك التاريخ هو التوقيت الذي بدأ الرأي العام الغربي يشعر فيه بتهديد الحزب النازي بالمعنى الحقيقي، لكن كانت إشارات قد ظهرت قبل سنوات من ذلك التاريخ، فعلى سبيل المثال، هاجم جوبلز، برفقة شبابه النازي، العرض الافتتاحي لفيلم: “لا يوجد شيئ جديد في الجبهة الغربية”، ومنعوا عرض الفيلم في السينما، بل إنهم ضربوا من اعترض على هذا الإجراء. وكانت حجة منع عرض الفيلم هي أن النازيين لايعتبرونه “مناسبًا” للألمان. وقد دخل الفيلم ضمن قائمة الأفلام التي سيمنع الحزب النازي عرضها خلال فترة حكمه.
بدأ العديد من الفنانين والموسيقيين والكتاب الاشتراكيين والليبراليين أو ذوي الأصول اليهودية، بالهجرة من ألمانيا في ظل الضغوط الكبيرة التي كانت تمارسها وزارة الدعاية بشكل متزايد، وكان بعض الفنانين المشهورين عالميًا، والذين لم يكونوا من اليهود، قد استطاعوا المحافظة على مناصبهم حتى أواسط ثلاثينيات القرن العشرين، إلا أنهم تعرضوا للطرد بعد ذلك.
وعلى الرغم من أن الضغوط الممارَسة على المثقفين والفنانين غير النازيين في أوائل أيام حكم حزب هتلر، قد ظهرت وكأنها تمارَس لأسباب” شخصية”، اتضح خلال فترة وجيزة أن وزارة الدعاية لم تكن تنظر إلى هذه القضية على أنها قضية شخصية. وأصبحت الوزارة تشرف بالكامل على كل الصحف المحلية والوطنية، ودور النشر، والمسارح، والحفلات وغير ذلك من الفعاليات، وبعد أن نجحت الوزارة في تطبيق نظام “الرقابة الآلية” على كل الأنشطة الثقافية والفكرة في ألمانيا خلال فترة قصيرة، ركزت على مهمتها الأساسية، وهي السيطرة على أكبر صحيفتين تحققان مبيعات والإذاعة التي تنمو بسرعة في ألمانيا.
ألقى جوبلز عام 1933 كلمة حملت عنوان “الإذاعة: ثامن أكبر قوة في البلاد”،