بقلم: نوح جونولطاش *
يبدو أن من يديرون البلاد عن طريق الدعاية وحملات تشكيل إدراك الشعب وتغيير الوعي لدى المواطنين يظنون أنه باستطاعتهم الاستمرار في التحكم والسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد على هذا النحو إذ تقوم صحيفة”صباح” التركية، رائدة وسائل الإعلام والصحف الموالية لأردوغان وحكومته، بتقديم الكتاب الذي يدعم ما قاله أردوغان حول اكتشاف المسلمين للقارة الأمريكية قبل كريستوفر كولومبوس، للقراء مقابل شرائهم الجريدة مدة 15 يوما.
إن هؤلاء لايهتمون بالواقعية كثيرا!
يقوم هؤلاء بإدارة صحف تعمل خصيصا لصالح الحملات الدعائية للحكام، وبإعداد برامج تليفزيونية للغرض نفسه كذلك.
لقد وضع رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان نقطة النهاية للمداولات والنقاشات الدائرة في البلاد حول القصر الأبيض، إذ قال: إن القصر الأبيض ملك للشعب التركي. وقد تم إنشاؤه ليتركوا في البلاد معلمًا أثريًا خالدا!
إن بناء ذلك القصر نتاج المنطق السائد في فترة الحرب الباردة، واللغة التي يستخدمونها لتبرير ضرورة بنائه، تذكرنا أيضًا بتلك الفترة .. فالقادة في فترة الحرب البادرة أيضا كانوا يقولون إنهم يفعلون كل ما يفعلون من أجل الشعب… وقد ذكرتني هذه الكلمات بفكاهة :
في يوم من الأيام إبان فترة الحرب الباردة، أراد “عمرو” و”زيد” أن يستوعبا المقصود من الرأسمالية والشيوعية اللتين كانا يسمعان بهما بصورة دائمة، وذهبا من أجل ذلك إلى كل من اتحاد الجمهوريات السوفيتية الإشتراكية (آنذاك) والولايات المتحدة على التوالي.
ذهبا معًا إلى مصنع لادا للسيارات في روسيا. وفي حديقة المصنع كان يقف بعض السيارات. سألا العمال عن صاحب المصنع. وكانت إجابة العمال كالتالي: “نحن من يملكها”.
فسألا عن مالك السيارات فأجاب العمال: “إنها ملك لنا أيضًا. ولكن هذه السيارة خاصة لاستخدام مدير المصنع، وتلك لرئيس البلدية، أما الأخيرة فلرئيس المخابرات السوفيتية”.
بعد ذلك توجها إلى الولايات المتحدة وقاما بزيارة مصنع فورد للسيارات. وكانت حديقة المصنع مليئة بالسيارات. وسألا العمال عن صاحب المصنع، وكانت إجابتهم كالتالي: “ملك للسيد فورد”. ثم وجها سؤالًا آخر للعمال عن مالك تلك السيارات، فأجاب العمال: “إنها لنا “.
والآن…
لو كان للرأسمالية جوانب تناسب طبيعة الإنسان أكثر، إلا أن الرأسمالية الشرسة تنتج نظاما سيئا بنفس قدر سوء الشيوعية. لكن هذا موضوع بحث أخر. أما محور حديثنا فهو قصر الرئاسة المكون من ألف غرفة الذي أمر ببنائه رئيس الجمهورية وفقًا لمبادئ وتقاليد الحرب الباردة دون استشارة الشعب.
اتضح لنا أخيرا أن ذلك القصر الذي تم بناؤه دون استشارة الشعب، بهذا الحجم، وبهذه التكلفة التي تصل إلى مليارات الليرات ويتكون من ألف غرفة، ما هو إلا قصر للشعب التركي…
هكذا يقول رئيس الجمهورية!
فهو يتحدث مثل حكام الأنظمة الإستبدادية. وتقوم صحيفة” صباح”، التي تتولى ريادة الصحف الموالية، بنشر تلك الكلمات في عناوين رئيسة وتسوّقها للشعب.
* صحيفة” بوجون” التركية