بقلم: ويسيل أيهان
“نعم، لو تحولت الأرض وما فيها إلى قنبلة وانفجرت، فربما لا تخيف عابدًا قد ازدان قلبه بالأنوار الإيمانية واكتمل يقينه. إذن.. لماذا نشعر بالقلق؟ نشعر بالقلق لأننا نعاني مشكلة في توكلنا على الله. فنور الإيمان وسكينة التوكّل لاينزلان على قلب آثم ومنشغل بأشياء تافهة لا معنى ولا جدوى منها.
“القلب بيت الهادي (الله)، فطهرّه مما سواه (من الذنوب) حتى ينزل الرحمن (بأنواره) في الليالي على قصره “.
ماذا يمكن أن يحدث كحد أقصى؟
يعتبر كل عمل يقوم به الإنسان بإخلاص بمثابة طلب مقدم إلى الله لنيل رضاه. فعلى سبيل المثال بنينا سبيلًا للمياه طلبًا لرضا الله ليشرب منه الناس. فإذا بدأنا نقول “أنا من بناه بهمتي، نحن من بنيناه، هذا السبيل لنا”، فمن الأفضل لنا أن نهدمه بدلا عن أن نردد مثل هذه الأقوال. أو أننا أسسنا ملجأ للأيتام، إن ذلك الملجأ لم يعد ملكنا بعد تأسيسه، فلا يصح لنا أن ندعي بأي حق فيه. فإذا همّ أحد المعتدين إلى هدمه، فإني أفعل ما يجب علي فعله من خلال القانون. فإذا كنت قد بنيت سبيل الماء أو الملجأ طلبًا لرضا الله، فإنهما أصبحا ملكا لله، وخرجا عن ملكيتنا . فما دام ملكًا لله، فإن مسؤوليته لا تقع على عاتقنا. ويجب أن يكون أكبر همنا هو أن نقول “هل حدث ما حدث لهذا العمل الخيري بسبب ذنوبنا؟”. فكل مؤسسة بنيت أو عمل قام به الإنسان بإخلاص يكون بمثابة بذرة غُرست في حديقة المقدرات فأمره إلى الله. فقد أزرع أنا بصلًا بإخلاص، لكن الله ينبِته وردًا إذا شاء. وقد أزرع زهرة التيوليب ويخلق الله منها شجرة كرز بقدرته. وقد أزرع نبتة لبلاب فيبدلها إلى شجرة الدلب أو الصنّار. ولا يهمني متى تنبت أو متى تثمر، فعاقبة أمرها إلى مالك الملك. فإذا شاء هدمها أو قيض عليها من يهدمها، وإذا شاء جعل نموها يكتمل .
وكان أبرهة الحبشي قد أرسل رسولًا إلى عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم لإبلاغه بقراره بهدم الكعبة، فأجابه عبد المطلب: أنا مالك لجِمالي فقط. أما الكعبة فهي بيت الله وهو من سيحميها. فإن أذن بهدمها فلن نستطيع أن نفعل شيئًا”. وبدلًا من أن نلتجئ إلى بعض الأسباب ونستمد عونا من غير الله كأن نقول “ستمد لنا جهة فلانية يد العون لمساعدتنا أو سيمنع علان تجاوز الأعداء” علينا أن نبذل جهدنا لأن نقول “الله”، متوكلين عليه، كما فعل نبينا عليه الصلاة والسلام، أو أن نتوكل ونتوجه إليه وهو مسبب الأسباب بكل قلوبنا كما فعل سيدنا إبراهيم عليه السلام، ونقول “اللهم نجني منه بما شئت وكيف شئت”. فالتعلق بغير الله والاعتماد على سواه يتمخض عنه التعرض لصفعات بأيدي من اعتمدنا عليهم أنفسهم.
استغلال الظلم وتحويله إلى فرصة
تتواصل فترة الصراع بين قابيل وهابيل بلا انقطاع منذ أيام أبينا آدم عليه السلام إلى يومنا هذا. فاختبار المؤمنين عن طريق الظلم هو المفهوم الأساسي لسيناريو البقاء. فلا يمكن أن تكون هناك صالة امتحان لا توجد بها أوراق امتحانات ولا تأتي فيها الأسئلة متتالية. وإذا كانت الحياة الدنيا دار اختبار وابتلاء، فإننا سنواجه اختبارات على المستويين الشخصي والجماعي. فاليوم يبدأ اختبار المؤمنين مع “أ”، ثم ينتهي، ليبدأ بعد ذلك بمدة قليلة اختبارهم مع “ب”، وهكذا إلى ما لا نهاية… وكلما اشتدت الابتلاءات، زاد أجرها. فهل تتساوى صدقة ملأ الصناديق بالذهب بدرهم واحد أخرجته السيدة خديجة رضي الله عنها في أيام المجاعة؟ فالرضا الإلهي والأجر العظيم الذي قد يترتب على السعي في “الخدمة” وبذل الجهد والإنفاق بما في المستطاع في هذه الأوقات الصعبة والشبيهة بأيام المحاصرة التي نسمع فيها بكثرة تهديدات من قبيل “لن نقدم لكم ولو جرعة من الماء” قد لا يمكن الحصول عليه في المستقبل بأية وسيلة من الوسائل. فإن أعطى الله فرصة الوصول إلى درجة الولاية (التي كان يتطلب الوصول إليها 40 عامًا في الماضي)، خلال 3 أو 4 أيام، أو 3 أو 4 أشهر، فيجب علينا أن نشكر الله كثيرًا على لطفه هذا بدلا من التذمر والتشكي. ونعوذ بالله من حسد الحاسدين.
الهوية الحقيقية للناس…
لم تكن هوية البعض معلومة بوضوح قبل عام تقريبا. وقبل الوصول إلى ميدان الحشر وتتجلى حقيقة قول الله في القرآن الكريم “الْيَوْم نَخْتِم عَلَى أَفْوَاههمْ وَتُكَلِّمنَا أَيْدِيهمْ وَتَشْهَد أَرْجُلهمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”، (سورة يس 24) جعل الله بعضَ الناس يقرّون بمساوئهم بألسنتهم في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة.
وظهرت السيئات ملء صفحات الجرائد. واتضحت عمليات الفساد والرشوة أمام الجميع بكل مراحلها وتفاصيلها. وظهر عيانًا بيانًا كيف كانت الدولة تدار في تركيا كإدارة العصابة وكيفية عمل أصحاب المصالح وصيادي الريع لتأمين منافعهم.
فاليوم اتضح مَن هو “الأبيض” ومَن “الأسود”. والقرآن الكريم يشير بهذه الآية الكريمة إلى أولئك الذين يدفنون رؤوسهم في الرمال كطائر النعام بينما تظهر الحقائق بكل وضوح: “صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ”. (سورة البقرة 18) فيها إشارة إلى كون الإنسان “أصما” حتى يمتنع عن سماع الحقائق، وأن يكون “أخرسًا” ويلتزم الصمت تجاه الظلم، أو أن يكون “أعمى” بإرادته من أجل حماية منافعه الدنيوية، أو أن يضمر ضميره بسبب سيئاته حتى لا يستطيع التمييز بين الحق والباطل. فلا يجب علينا أن نعطي أهمية لهؤلاء الأشخاص أو ندينهم. فبدلًا من أن نسأل “لماذا غادر هذا أو ذلك جماعتنا؟”، يجب أن نقول “كان يمكن لي أيضًا أن أنزلق إلى هذه الذنوب والآثام وربما كنت ضمن التاركين للجماعة، لكن الله حفظني بلطفه”. هذا فضلًا عن أن الله لم يبتلني بالسلطة والفيلات والملايين. وكيف لي أن أضمن بأنني سأكون من الفائزين والناجحين لو ابتليت بما ابتلوا هم؟ فالذي يجب علينا أن نحمد الله ونشكره حتى نحول الظلم الذي نتعرض له إلى فرصة لا مثيل لها.