بقلم: أورهان كمال جنكيز
وكأننا نشاهد محاكاة ساخرة للديكتاتورية؛ فإما أن الديكتاتور في هذه اللعبة سيظهر حرصاً مثيراً للشفقة وهو يسعى لتلبية طموحاته أو -كما يحدث في المشهد المسرحي في رواية “الثلج” للأديب التركي أورهان باموك– سيعرّضنا لنيران أسلحة مصوّبة علينا حسبناها مطاطية وسيقود البلاد كافة إلى كارثة لارجعة فيها.
وقبل عدة أيام تفجّرت ادعاءات في الإعلام التركي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي مفادها أن السلطات الأمنية تخطط لشنّ عمليات اعتقال واسعة جدًا في أنحاء البلاد ضد 150 صحفياً وكاتباً يعارضون الحكومة ويكشفون عن فضائحها.
ونتفهم بشكل واضح أنه تم التخطيط لهذه العملية مسبقاً، ليس فقط بفضل ما زوّدنا به الكاتب والمدون المعروف المجهول على موقع التواصل الاجتماعي تويتر “فؤاد عوني” من معلومات وتفاصيل تكشف حتى عن أسماء النائب العام المكلّف بنظر هذه القضية والقوات الأمنية التي ستتولى مهامها في إطار العملية والصحفيين الواجب اعتقالهم، وإنما نتفهّم ذلك أيضاً من قول نائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش “أتمنى أن لا يحدث شيئ من هذا القبيل”، وتهديدات الجيش الألكتروني لحزب العدالة والتنمية الحاكم على مواقع التواصل الاجتماعي مثل “سترون ما سيحِلّ بكم قريباً”.
وإن لم يكن تم التخطيط لمثل هذه العملية أصلا، لكنّا سمعنا في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة من الوزراء “أرايتم ماذا يفعلون هؤلاء المنتمون للكيان الموازي من أجل إظهارنا للعالم كحكومة فاشية؟”. وكذلك كنا نراهم يصفون الناس الذين جاءوا من كل مناطق إسطنبول مساندة للصحفيين وتجمعوا أمام مقرّ صحيفة “زمان” في منطقة يني بوسنه وقصر تشاغلايان العدلي بأنهم “ممثلون لعملية خلق صورة ذهنية مخادعة وتمويهية أعدها هؤلاء المنتمون للكيان الموازي”.
وبدلا عن أن يحدث كل ذلك الذي ذكرناه آنفا، شهدنا حالة من الصمت المشئوم. وهذا الصمت يظهر لنا في الوقت ذاته أن تركيا دولة في موضع محزن ويرثى له حيث كان مخططا لاعتقال 150 صحفياً في صباح الجمعة. ما يعني أن هذه الدولة التي كانت ستشهد عملية غير عادية مثل اعتقال 150 صحفياً لم يتم تنفيذها بسبب تسريب معلومات عنها إلى وسائل الإعلام أو لعدم تهيئة الأجواء، تتواصل فيها أحكام تعسفية غير عادية.
ولعل دعم إعلام حركة الخدمة في السابق لبعض الإجراءات المعادية للديمقراطية مثل انتهاكات حقوق الإنسان في قضيتي “أرجينيكون” و”باليوز-المطرقة الثقيلة” والظلم الممارس ضد المتهمين في إطارهما وتجاهلهم الاغتيال المعنوي لشخصياتهم سيدفع الذين ينزعجون من هذه الحركة إلى القول: “فليذوقوا الآن هم أيضًا هذه الإجراءات غير الديمقراطية”. إلا أن من يقول ذلك يرتكب خطيئة كبرى.
وإن الذين يقولون “ليذوقوا وبال أمرهم” يغيب عن أذهانهم أن العقلية التي ترغب في اعتقال 150 صحفياً ستقْدم بعد يوم واحد على تضييق الخناق على وسائل الإعلام الأخرى بحيث لن يجدوا مكاناً للتنفس أبداً. فضلا عن أنه يغيب عنهم أيضاً مفهوم أن “الكيان الموازي” يتم استخدامه كعصا سحرية للقضاء على الديمقراطية، كذلك يكونون قد تجاهلوا أن الحكومات القمعية الموجودة في العالم تأسست على أكتاف مثل هذه العداءات الداخلية.
وإن الذين يلتزمون الصمت اليوم إزاء هذه الحالة الجنونية لن يجدوا إلى جوارهم مغيثاً يسمع أصواتهم عندما يأتي عليهم الدور.