سادات لاتشينار
يدعي البعض أن سبب العملية التي شنتها الشرطة التركية قبل ثلاثة أيام، هو العلاقة بين عمليات موجَّهة لجماعة دينية يطلق عليها اسم “واضعي الحواشي” وبين المعتقلين. لكن عليّ أن أوضح أولًا أن هذا الادعاء ضعيف للغاية ذلك أن العملية التي كانت موجهَّة لجماعة “واضعي الحواشي” كانت بموافقة وزير الداخلية ومدير الأمن وقتها. حتى أنني شاهدت مقطعًا مرئيا مسجلا على الإنترنت حول العملية يزعم فيه مدير أمن إسطنبول في ذلك الوقت وزير الداخلية السابق معمر جولر أن هذه الجماعة هي “جماعة إرهابية” وهذا الرابط لمن يرغب في مشاهدة التسجيل
http://www.internethaber.com/tahsiye-nedir-muammer-guler-tahsiyeyi-anlatmisti-747871h.htm
ما يعني أن القضية واسعة النطاق لدرجة لا يمكن تناولها في إطار ضيق…
ثانيًا: أظن أن عدد الذين يصدقون وجود علاقة بين هذه العملية، التي استهدفت الصحفيين والشرطيين والعملية ضد جماعة “واضعي الحواشي” ليس بكثير. أضف إلى ذلك أن التصريحات الصادرة عن رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء عقب العملية تؤكد أن العملية أجريت ضد جماعة الخدمة. ونفهم من ذلك أن هذه العملية كانت الموجة الأخيرة من سلسلة الصراع بين الحكومة والجماعة وهو ما يعني أن هذه العملية ليست لها أدنى علاقة بجماعة “واضعي الحواشي” أو أي موضوع آخر..
وحسبما نفهمه، فإن الحكومة ستشنّ عمليات متنوعة بحجج مختلفة في المرحلة المقبلة بهدف القضاء على جماعة الخدمة…
الرغبة في إسقاط الحكومة والانقلاب عليها
كما أوضحنا سابقًا، فإذا أردتم إسقاط حزب سياسي من الحكم بالقوة وبأساليب غير شرعية مستخدمين العنف فهذا يسمى انقلابا على الحكومة… ولكن محاولة إسقاط أية حكومة بالطرق المشروعة والقانونية هو حق طبيعي للجميع. كما تستهدف السباق بين الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية إسقاط منافسها.
لاشك في أن إسقاط أية حكومة ليس من حق الأحزاب السياسية فقط، بل كذلك هو حق العناصر المؤثرة في المجتمع المدني. وعليه، يمكن لكم ألا تعتبروا رغبة جماعة فتح الله كولن أو أي كيان مدني آخر أو جمعية أخرى في إسقاط الحكومة، أمرًا جائزًا من الناحيتين الأخلاقية والدينية، ولكن لا يمكن لكم أن تزعموا أنها رغبة غير شرعية. ويمكن أن يكون للجماعات الدينية آراء سياسية، ولها آراء سياسية فعلا… ولا يمكن لأحد أن يدعي أن تطوير هذه الجماعات آراءها السياسية بدرجة يمكن أن تغير بها الحكومة، شريطة الالتزام بالحدود القانونية، أمر غير مشروع…
كما أنه ليس هناك أدنى مشكلة من الناحية القانونية في ارتباط شخص ما بدين أو مذهب أو فكر معين. لكن المشكلة هنا تبدأ عندما يتصرف ذلك الشخص حسب معتقداته مخالفا للقوانين. أو بمعنى آخر، إذا كان موظف ينتمي إلى إحدى الجماعات الدينية اجتنب السرقة أو أخذ الرشوة وأنجز عمله بإتقان كبير وعلى أكمل وجه لأن شيخه أو أستاذه يأمره بذلك لا يكون ذلك الموظف قد ارتكب جريمة… ولكن إذا كان ذلك الموظف يرتشي أو يحابي أحدًا أو يضرّ بأناس أبرياء تنفيذًا لتعليمات شيخه أو أستاذه، فيكون بذلك مجرمًا ويعاقبه القانون… أما معيار العقاب هنا فهو ما لدينا من أدلة وليست قناعاتنا الشخصية.
وبعبارة أخرى، ليس هناك مشكلة إذا تبادلت جماعة الخدمة وحزب العدالة والتنمية مشاعر الكراهية. فربما لا يحبان بعضهما البعض، أو يتبادلان مشاعر الكراهية. أو لدرجة أنهما يمكن أن ينظما صفوفهما ويسعيا لإفشال بعضهما البعض. لكن الفيصل هنا هو القانون. كما يجب أن تكون الاتهامات والعقوبات وفق القانون والأدلة القاطعة. فمَن ينتهك المبادئ والقيم والقانون في إطار هذا الصراع يدفع ثمن ذلك بضرر يلحقه بنفسه ووطنه.
وباختصار، فإن حزب العدالة والتنمية يمكن أن يقضي على جماعة الخدمة في نهاية هذا الطريق لكن ما هي التكلفة التي سيتحمَّلها الحزب وسيحمِّلها لتركيا بسبب هذه العملية؟ وهل يمكن أن تعود الأمور إلى طبيعتها إذا تضررت أصول حرية التعبير والاقتصاد الليبرالي جراء مساعي الحزب للقضاء على الجماعة؟
وفي هذا الإطار، فإنني أرى ما يحدث على أنه يشبه محاولة شخص أن يقتل ذبابة حطّت على وجهه مستخدمًا مطرقة… وقناعتي الشخصية تشير إلى أن هناك أطرافًا تتلاعب بحزب العدالة والتنمية ومؤسسات الدولة، مستغلة الغضب والاستياء وحجم الخطر الذي تعيشه تركيا. وفي مقابل ذلك، نجد أن الأشخاص المحايدين والمنصفين مِن الذين بوسعهم أن يقولوا الحقائق، تلصَق بهم تهم “الانتساب إلى الجماعة والكيان الموازي”، لدرجة أن أحدًا لم يعد بمقدوره أن يتجرأ على الكشف عن الحقائق بشكل موضوعي… وللأسف، فإن مبدأ “إما أنك في صفي أو في صف أعدائي!” جعل المنصفين يخافون أن يقولوا الحق والحقيقة…
من موقع internethaber