بقلم: سفيان أبو أمير
عَرفت تركيا في سنوات حكم أردوغان قفزة نوعية في مجال حقوق الإنسان والحريات الفردية زرعت في نفوس الأمة الإسلامية بصيص الأمل بميلاد نظام إسلامي ديمقراطي قادر على احتواء الجميع، غير أن نجاح رجب طيب أردوغان ومن معه من حزب العدالة والتنمية في ترسيخ سلطتهم وسيطرتهم على البلاد ولدت لديهم قناعة بأنهم الأفضل في تركيا والأجدر بحكمها وأن تصورهم هو الحق والصواب ومن يخالف ذلك يوصف إما بالخائن للوطن أو بالعدو اللدود للحزب الحاكم .
ومع نهاية عام 2013 برز إلى السطح في تركيا صراع محموم بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحركة “الخدمة”، التي تستلهم فكر الأستاذ فتح الله كولن المقيم بأمريكا، حيث ألقت الشرطة التركية القبض على ثلاثة من أبناء وزراء حزب العدالة والتنمية ورجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضراب بتهم الفساد والرشوة أو ما أطلق عليه في تركيا قضية الفساد الكبرى 17و25/كانون ديسمبر 2013.
على إثر ذلك ثارت حفيظة رجب طيب أردوغان، وفسر ما يحدث بأنه محاولة انقلاب على حكومته بقيادة فتح الله كولن من خلال رجاله المتغلغلين في دواليب السلطة خصوصا في جهاز القضاء والأمن حيث اتهمه أردوغان صراحة بالتعامل مع إسرائيل وأمريكا من أجل زعزعة أمن واستقرار تركيا. وعقب ذلك أشعل أردوغان حرباً ضروساً على كل مؤسسات حركة “الخدمة” متوعداً بملاحقة أنصارها في أوكارهم، إذ بدأت العملية بعزل كل المدعين العامين والقضاة الذين أمروا بفتح تحقيق في ملفات الفساد الكبرى ونقل أكثر من أربعين ألف شرطي من أماكن عملهم وعزل آخرين كما تم طرد أكثر من 800 صحفي يعملون في الإعلام الحكومي لاشتباههم بالانتماء لحركة الخدمة ناهيك عن المضايقات التي سببها لرجال الأعمال المتعاطفين مع الخدمة. ولم يتوقف عند هذا الحد بل أرسل طلبات إلى العديد من رؤساء الدول حيث تتواجد الخدمة من أجل إغلاق مؤسساتها إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، ولم تؤثّر على حركة الخدمة في تأدية نشاطاتها.
شخصيا أعتبر أن كل هذه الإجراءات والاتهامات الجزافية المتخذة في حق حركة الخدمة وعجز أردوغان منذ سنة كاملة عن تقديمِ ولو دليلٍ واحد يثبت صحة ادعاءاته هي خنجر غرس في جسم الديمقراطية التركية الفتية. يضاف إلى ذلك جسارة الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية في شنّ حملة اعتقالات طالت 32 شخصاً بينهم صحفيون وكتاب حيث ألقت الشرطة صبيحة يوم الأحد القبض على رئيس تحرير كبرى الصحف التركية صحيفة” زمان” أكرم دومانلي ومدير مجموعة” سامان يولو” الإعلامية هدايت كاراجا إلى جانب اثنين من منتجي الأفلام والمسلسلات وكتاب سيناريو باتهامات لا سند لها من القانون تزامنا مع حلول الذكرى الأولى للكشف عن فضائح الفساد والرشوة في 17و25 ديسمبر /كانون الأول 2013 حيث سيتم استنطاقهم من قبل محاكم الجزاء التي أسسها أردوغان خصيصا لتضييق الخناق على حركة الخدمة.
وبغض النظر عمن معه الحق في هذا الصراع بين أردوغان وحركة الخدمة فإن ما قامت به السلطات التركية في حق الإعلام والإعلاميين لا يمكن إدراجه إلا في خانة تكميم الأفواه ولجم حرية التعبير وحرية الصحافة، وهو إجراء بعيد كل البعد عن الأعراف الديمقراطية ولا نجد له أثراً إلا في دول أنظمتها ديكتاتورية أو شمولية.