أورهان كمال جنكيز
إن اللجوء إلى العنف وممارسة الضغوط ليسا من الخصائص المميِّزة للدكتاتورية. بل أبرز خصائص الديكتاتورية هي احتكار شخص واحد لتعريف الحقائق. فذلك الشخص هو الذي يقرر ما هو الصحيح وما هو الخطأ، وما هو الجريمة وما هو في صالح البلد. في دولة تكون فيها كل السلطة بيد شخص واحد يكون هو معيار كل شيء. ولهذا فإن الديكتاتور لا يخطئ أبدًا…
لايمكن لأحد أن يزاول أنشطة المعارضة في دولة الديكتاتور. ومَن يفعل ذلك يكون خائنًا لبلده وعميلاً للقوى الخارجية…
ليست هناك حاجة للقانون في دولة الديكتاتور؛ إذ إنه – أي الديكتاتور – هو الذي يصدر أحكامًا بشأن مَن هو مجرم ومن هو بريء…
كلما نظرت إلى عناوين الأخبار التي تعرضها القنوات الإخبارية وأنا أكتب هذه السطور، أرى – بشكل واضح وجليّ – إلى أين تسير تركيا. فبينما أكتب هذا المقال كان أعضاء مجموعة “تشارشي”، مشجعو نادي بشيكتاش، يدلون بأقوالهم أمام المحكمة بتهمة “محاولة القيام بانقلاب ضد الحكومة”. حسنًا، مَن ألصق هذه التهمة الكبيرة بهؤلاء الشباب؟
وبينما أكتب هذه السطور، جرى تأييد قرار وقف متابعة التحقيق في فضيحة الفساد والرشوة التي كُشف عنها يوم 17 ديسمبر / كانون الأول من العام الماضي. حسنًا، مَن قال إن التحقيق في قضية الفساد كانت محاولة انقلاب ضد الحكومة؟
كما ينتظر مسؤولو الشرطة الذين أداروا ملف التحقيق في قضية الفساد المحاكمة بتهمة محاولة الانقلاب على الحكومة.
بينما أكتب هذه السطور ينتظر أكرم دومانلي، رئيس تحرير جريدة” زمان”، الإدلاء بأقواله أمام الشرطة بتهمة محاولة “السيطرة على الجمهورية التركية”. حسنًا، مَن أعلنه هو وسائر الصحفيين الآخرين كمتهمين؟
للأسف، يحتكر شخص واحد في تركيا سلطة “تعريف الحقائق”. ونفهم من الآن أن هذه الوتيرة ستسير بشكل أسرع خلال المرحلة المقبلة.
سنشهد خلال الفترة المقبلة تأسيس “احتكار الحقيقة” بشكل أقوى من خلال تكميم أفواه ما تبقى من المؤسسات الصحفية التي لاتزال تمارس مهمتها على أكمل وجه وكذلك اعتقال مَن ضايق رئيس الدولة بواسطة عملية “مطاردة ساحرات” واسعة النطاق…
إن ما تعيشه تركيا، ونشهده جميعًا لحظة بلحظة، ما هو إلا احتكار شخص واحد لتعريف الحقائق، وليس أي شيئ آخر…