بقلم: سفيان أبو أمير
كنت أعتقد أن تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان ستكون أول دولة إسلامية تدخل نادي الدول الديمقراطية في العالم، وسيكون القانون فيها سيدا على الكل وستكون فيه السلطات الثلاث منفصلة عن بعضها البعض أو تكون متصلة بالشكل الذي يعود بالنفع على جميع أطياف الشعب دون تمييز أو تصنيف حسب انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو الإيدولوجية.
معروف عن الدول الديمقراطية الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، حيث يكون الجميع مسؤول أمام القانون مهما كانت صفته ورتبته في الدولة سواء كان رئيس الجمهورية وزيرا أو مسؤولا عسكريا كبيرا، رجل أعمال ، أو من عامة الشعب، يكون القاضي مستقلا في اتخاذ قراراته لايخضع لسلطة أيا كان ولا يتلقى الأوامر من أي كان إلا من القانون الذي هو بين يديه سواء القانون الوضعي أو القانون الرباني.
إذا تمكنت أية دولة من احترام قرارات القضاء، ولم تتدخل في شؤونه ولم توجهه لحساب أي فريق على الآخر ، هنا تأكدوا من أن هذه الدولة هي دولة القانون، يسهل عليها تحقيق تقدم في كل المجالات الحيوية، فمصداقية أية دولة تكمن في مدى تطبيقها للقوانين وتحقيق العدالة بين الناس واعتقدت لزمن طويل أن تركيا سائرة في هذا الاتجاه واستبشرنا خيرا لذلك.
لكن التطورات الأخيرة للصراع الدائر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحركة الخدمة التي تستلهم أفكارها من الداعية الإسلامي التركي فتح الله كولن دفعتني إلى الملاحظة التالية : عقب كشف الأمن التركي على قضايا الفساد الكبرى في 17ديسمبر/ كانون الأول 2013، واتهم فيها أبناء أربعة من وزراء حكومة حزب العدالة والتنمية ورجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضراب بضلوعهم في قضايا الفساد والرشوة، تلتها تسريبات صوتيه تدعى تورط أردوغان ونجله في فساد المال والصفقات الكبرى في تركيا ، لاحظت أن رد فعل أردوغان كان غريبا ولايمت بصلة لرجل دولة بحجم أردوغان، فبدل أن يترك القضاء يتحرك ويحقق في تلك القضايا التي سوف تسيء حتما لصورة تركيا داخليا وخارجيا راح يضغط على القضاء والشرطة بدعوى انتمائهم لحركة الخدمة المتآمرة عليه بحسب مزاعمه.
أعتقد أن التدخل في شؤون القضاء من أجل تعطيل مهامه لأكبر دليل على صحة ادعاءات قضايا الفساد الكبرى 17 ديسمبر 2013 في حق أصحابها ، وما زاد من يقين الكثير من المتابعين لما يحدث في تركيا على تورط أولئك المتهمين في قضايا الفساد الكبرى، وأن كل ما قيل في حق الخدمة ومؤسسها العلامة فتح الله كولن هي ادعاءات وافتراءات لا أساس لها من الصحة، هو التدخل الأخير لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان شخصيا -حسب المدون المشهور على تويتر فؤاد عوني، وتوجيه املاءاته لقضاة محاكم الجزاء التي أسسها بنفسه بغية التغطية على قضايا الفساد بخصوص قائمة الأسماء التي يجب إلقاء القبض عليها فيما يسمى بأحداث 14 ديسمبر الأسود أو الانقلاب على حرية الصحافة ، حيث ألقت الشرطة التركية القبض على رئيس تحرير أكبر جريدة في تركيا “زمان “أكرم دومانلي ، و رئيس أكبر مجمع تلفزيوني خاص في تركيا “سامان يولو” هدايت كاراجا ، بتهم واهية ، هي مقالين وخبر بالنسبة للسيد دومانلي ، وسيناريو مسلسل ” تركيا واحدة ” ما يعرف في الدول العربية ” بالأرض الطيبة ” بالنسبة للسيد هدايت كارجا المعتقل بتهمة تكوين جماعة إرهابية بدون دليل مادي ملموس سوى ما أطلقت عليه محاكم أردوغان ب “الشبهة المعقولة ” وسيناريو مسلسل الأرض الطيبة الذي مر على بثه أكثر من خمس سنوات .
فالقضاء التركي لم يعد مستقلا أو بالأحرى يمكن تسميته ” قضاء أردوغان ” فتصريحات هذا الأخير في التلفزيون حينما أعلن عن إمكانية توقيف صحفيين آخرين من بينهم قد يكون أكرم دومانلي الذي اعترضت النيابة العامة على قرار إطلاق سراحه بإيعاز من أردوغان نفسه أكبر دليل على ذلك حيث أصبح أردوغان يلعب دور المدعي العام ودور القاضي ودو الشرطي ودور المحامي وممكن يلعب في المستقبل القريب أدوار أكبر ، فعل كل هذا حتى لا تنكشف حقيقته لرأي العام التركي وتهدم الصورة النمطية التي شكلها في أذهانهم وأذهان العرب والمسلمين بأنه الحاكم العادل والديمقراطي والمثالي في تاريخ كل قادة العالم الإسلامي .
المدقق في تصرفات رجب طيب أردوغان يوحى إليه أنه يتصرف وكأنه شيخ قبيلة وليس رئيس دولة ، إذ أصبح الكل في الكل في تركيا، هو رئيس الجمهورية ، رئيس الوزراء ، وزير الخارجية ، وزير الداخلية ، وزير العدل وربما يصبح مفتي الجمهورية ، يتصرف على هواه ، يزج بالسجن من يشاء ويخرج منه من يشاء ، وكان في تركيا لا يوجد أثر لشيئ اسمه القانون، وهذا أمر عجيب فتركيا التي كانت إمبراطورية تتحكم في العالم وتمثل الإسلام والمسلمين أحسن تمثيل من خلال تطبيقها للعدل بحذافيره تقهقرت من إمبراطورية إلى مجرد جمهورية محدودة الحدود والتأثير في محيطها الإقليمي والدولي، وإذا استمرت على هذا النحو ربما سينحدر بها الأمر إلى مجرد قبيلة في محيطها لا أثر ولا تأثير لها .