بقلم: عثمان أوزصوي
في صدر مقالي أود أن أقدم لكم بشارة..
لقد كنا حتى اليوم نقرأ التاريخ، أي الأحداثَ المهمة التي تركت بصماتها على صفحات التاريخ عن طريق الكتب فقط.. وكذلك كان الظالمون والأبطال عبارة عن شخصيات رمزية تاريخية بقيت في الماضي فقط…
ولكن الوضع هذه المرة مختلف…
فنحن نشهد ونعيش اليوم فترة من الفترات التاريخية التي سيكون لها تأثير عظيم وواسع في المستقبل. وسواء شئنا أم أبينا ذلك فإننا أصبحنا جزءاً لا يتجزء من هذه المرحلة التاريخية، بكل معنى الكلمة. وأنا أقول ذلك من صميم قلبي، وعليكم التركيز على الاستمتاع بإيجابيات هذه المرحلة…
لاتفعلوا ذلك بالتصنّع والتكلف وكأنكم تؤدون دوراً في مسرحية، بل اتخذوا موقفاً يجعلكم بطل قصتكم الشخصية ومن ثم تنالون بفضله ماكنتم تطمعون فيه بالدار الآخرة. نعم إن وقوفكم اليوم بجانب الحق والحقيقة، وإيفاءكم بالمهمة الموكلة إليكم وأداءها على النحو المطلوب يكفي لتحقيق ذلك، بل ويزيد.
أجل، اتخِذوا موقفكم في هذه المرحلة التاريخية بصورة صحيحة حتى يسجّلكم التاريخ ويشهد لكم المؤرخون عندما يدوّنون أحداث اليوم، بل حتى أبناءكم وأحفادكم عندما يقصّون سيرتكم الذاتية، بقولهم: “إنهم أناس ثبتوا ووقفوا في المكان الصحيح”. إنها فرصة كبيرة وجميلة قد لايجدها أي جيل آخر في تاريخ الإنسانية. وأنا أنصحكم كأخ لكم بأن تنتهزوا هذه الفرصة ولا تفوتوها وأن تؤدوا حقها كما ينبغي.
لماذا؟
صدّقوني، إن التاريخ التركي يشهد اليوم أكثر فتراته المخجلة سواء في الداخل أو الخارج. وأنا أقول هذا بصفتي باحثاً كرّس سنوات حياته في دراسة الأرشيف العثماني بين غبار ثنايا آلاف من الوثائق العتيقة. فالفترة المخزية الفاضحة التي يشهدها التاريخ التركي خلال السنة الأخيرة لم تحدث من قبل أبداً.إلا أن التاريخ المجيد للأمة التركية، ومواقفها المشرفة، وهويتها وشخصيتها التاريخية لايمكنها أن تتحمّل تلك المرحلة لمدة طويلة وسترون ذلك قريباً.
إليكم مثال:
لقد قال أردوغان في القمة التركية – الأفريقية في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014: “نجد أن هناك تنظيمات خطيرة تتخذ من العملية التعليمية والمساعدات الإنسانية قناعاً لها، ويحاولون الإيقاع بين تركيا وبعض الدول الأفريقية. ونتمنى من أصدقائنا رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات في تلك الدول أن يكونوا أكثر حذراً في التعامل مع تلك التنظيمات التي تكوّن في كل بلد تنشط فيه كيانات سرية للقيام بأعمال تجسس وتخابر”.
بل خطا أردوغان خطوة أخرى إلى الأمام في شكوى مواطنيه وصرح بأنه تقدّم إلى المسؤولين في أثيوبيا بعرض لإغلاق مدارس حركة الخدمة التي فتحها المتطوعون هناك..
قبل كل شيء يجب على الجميع أن يعلم التالي:
إن أعمال التجسس والتخابر تعتبر من أبشع الجرائم في كل الأنظمة. وقد تتسبب في حدوث توترات جدية في العلاقات بين الدول. لذلك يجب التأكد من صحة هذه الادعاءات بإجراء دراسة وبحث بدقة متناهية وفي الإطار القانوني. إلا أن ما رأيناه على مر التاريخ في قضية اتهام التجسّس هو أن الدولة المشتكية تقول للدولة المشكو في حقها: “إن مواطنكم الفلاني متهم بالضلوع في أعمال تخابر ضد بلدنا”. ولكن وللمرة الأولى على مرة التاريخ يخرج مسؤول دولة ويزعم: “إن مواطننا الفلاني يقوم بأعمال تخابر في بلدكم!”.. فحتى يومنا هذا لم يسبق أن شهد العالم واقعة من هذا القبيل.
إن أردوغان يسوق ادعاءً بأن مواطنين أتراك لم يرِد في حقهم حتى بلاغ في البلد الذي يعيشون فيه، ولم يصدر في حقهم كذلك قرار من محاكم بلدهم جواسيس!
إن أقلّ مايمكن أن يقال في ذلك هو أن هذا الاتهام خيانة للمواطنين وطعنة في ظهورهم. ذلك أن من شأن هذا الاتهام أن يؤدي إلى مواجهة كل المواطنين الأتراك من رجال الأعمال والسياح والسفراء وحتى فريق رحلات الطيران وكل من يحملون جواز السفر التركي في تلك الدول بتوجيه جريمة التجسّس والتخابر. وهذا بلاشك سيجعلهم غير قادرين على التنقل والتجوال في بلدان العام المختلفة.
إن العالم لم يشهد حتى اليوم توجيه مسؤول لمواطني بلاده في الخارج تهمة التخابر والتجسس. ولهذا قلت من قبل في أحد البرامج التليفزيونية إن أردوغان وفريقه سيحاكَمون في يوم من الأيام بتهمة خيانة الوطن، لأنهم عملوا على تعميم الافتراءات وتلفيق تهم التخابر والتجسس لكل المتطوعين العاملين في الخدمات التعليمية والمساعدات الإنسانية دون أي دليل أو وثيقة، في الوقت الذي كان يجب عليهم أن يقفوا إلى جانب مواطنيهم، فضلاً عن أن القانون يستوجب أن تكون الاتهامات بالتجسس شخصية وفردية مع أسانيد قانونية. والآن أرى أن احتمال محاكمتهم يزداد يوماً بعد يوم.
وأعتقد أنه عند بدء فترة محاكمتهم سيقدَّم إلى القضاء كمّ هائل من المستندات والوثائق التي تتعلق ببعض الأحداث والقضايا التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق تركيا. فبحسب الأنباء الواردة، تبادر منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية إلى إعلان حظر التجوال في عدد من المناطق في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد. أما أركان الدولة الخاضعة والمطيعة للسلطة الحاكمة فتضطرّ إلى الالتزام بهذا الحظر دون الاعتراض عليه.
أتظنون أن هذا الوضع سيستمر هكذا وعلى هذا المنوال؟ هذا ظنّ يبعث على الضحك.
لاتوجد أية دولة أسّست على مدار التاريخ التركي فقدت ثقلها وهيبتها واعتبارها إلى هذه الدرجة. فالصورة التي أمامنا تكشف عن شخصية سياسية خرجت عن السيطرة، وتبنّت الحكم المزاجي والإدارة التعسفية، وتميل إلى استخدام قوة الدولة ومؤسساتها كأداة لتحقيق أهدافها وغاياتها الشخصية، وتحيك مع فريقها مؤامرات لاتخطر على بال لتلفيق جرائم وإسنادها إلى شريحة معينة من المجتمع.
وسترون أن السحر سينقلب على الساحر وأن كل تلك المؤامرات ستبوء بالفشل الذريع وسيرتدّ كيدهم إلى نحورهم.
لو آمن أردوغان بأن الطريق الذي يسلكه صحيح وأن نهجه ديمقراطي لذهب إلى الدول الغربية وقال لها: “أغلقوا المدارس التركية” ولما قال ذلك في أثناء عودته من أفغانستان أو توجهه إلى أفريقيا.
انظروا إلى المصير الذي آلت إليه البلاد خلال عام واحد في ظلّ حكمهم..
فهذه الفترة المخزية الفاضحة على وشك الانتهاء، والعالم أجمع على دراية بذلك. وأنتم أيضا اعلموا ذلك ولو متأخرين.
فنهايات عام 2015 ستكون مختلفة جداً عن البدايات.
قناعاتي وقراءاتي حتى الآن تشير إلى ذلك.
وسأتناول بالتفصيل كيف ستنتهي تلك المرحلة في المقال القادم بإذن الله تعالى.
موقع “روتا خبر”