دوغو أرجيل
ماهي المشكلة بيننا وبين أوروبا؟ فالمتدينون واليمينيون منا ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي على أنه “نادي المسيحيين” ويتحفظ منه. بينما اليساريون منا غاضبون عليه لأن له ماضيا إمبيرياليا استعماريا. وأما القوميون من رجال جيشنا فيتحدثون عن ضرورة الانفصال عن حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والانضمام بدلا عنه للحلف الأوروآسيوي (AVRASYA) الذي لم تتضح ماهيته بعد.
وباختصار، لدينا معارضة مستمرة للغرب. لكننا نهرول فور ظهور أي تهديد في المنطقة الجنوبية من بلادنا إلى طلب نشر قواعد صاروخية من حلف الناتو في المناطق الحدودية الجنوبية. ونشتري من الغرب التكنولوجيا التي لاننتجها والمعدات ذات التكنولوجيا العالية ونأخذ منه العلوم التي ندرسها في جامعاتنا ونقترض منه رأس المال الذي لا ندخره.
ومن ناحية يهاجر الفارون من بلادهم بسبب الفقر والضغوط السياسية والظلم الموجود فيها سواء كان بطرق قانونية أو عن طريق الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية. لكن لماذا يختارون أوروبا بذاتها، وليس أثيوبيا أو جيبوتي أو باكستان؟
لابد أنهم يجدون هناك في الغرب أو أوروبا كثيرا من الأشياء أفضل مما هي عليه الحال في بلدانهم ولذلك يذهبون إلى هناك. لكنهم في الوقت نفسه يحملون معهم إلى هناك المشاكل والأزمات التي هي سبب هجرتهم إلى أوروبا. فما يحملونه معهم من تمرد على القانون وعنف وتعصب ديني يحول دون انخراطهم وانسجامهم بشكل كبير في مجتمعات البلدان التي يهاجرون إليها. فيضعون أنفسهم والبلدان التي يهاجرون إليها في مأزق كبير.
لكن هذه المرة جاءت الشكوى من أوروبا من دولة جيبوتي. إياكم أن تظنوا هذه الدولة الصغيرة التي أسس عاصمتها الفرنسيون في شرق إفريقيا، ويقل تعدادها السكاني عن مليون نسمة، ولايتخطى متوسط الدخل السنوي للفرد فيها ألفي دولار سنويا هي التي اشتكت من أوروبا بل الذين اشتكوا هم المسؤلون رفيعو المستوى لبلادنا الذين ذهبوا إلى تلك الدولة الصغيرة، إذ قالوا مخاطبين أوروبا بصوت عال: “إن تركيا ليست بلدا يأتي إلى أبوابكم للشحاذة أو التسول!”.
لكن ما الذي يجعل تركيا تشحذ وتتسول؟ إن هذا المصطلح مهين ومذل للغاية. فالاتحاد الأوروبي مجتمع تطوعي يتعهد أعضاؤه لبعضهم البعض باتباع قيم وقوانين سياسية، وحقوقية، واقتصادية مشتركة، من خلال اتفاقيات ومعاهدات تلزمهم بذلك.
فإن كنتم تتبنون هذه القيم والمبادئ والقواعد فعليكم تعديل مؤسساتكم وقوانينكم وإجراءاتكم حسبما ينص عليه الاتحاد الأوروبي من قيم ومبادئ، لكي تصبحوا عضوا بالاتحاد الأوروبي.. أو أن تقولوا “لا، لا نوافق على هذه المبادئ ولن نقوم بهذه التعديلات”، وفي هذه الحالة تبعدون فكرة عضوية الاتحاد الأوروبي من أجندة عملكم وتنسون هذا المشروع نهائيا ولاتتحدثون عنه. لكن إن لم تفعلوا هذا أو ذاك وواصلتم الشكوى من الاتحاد الأوروبي باستمرار فلن يثق الناس فيكم ومن حقهم أن يشكوا في إخلاصكم.
ولماذا توجهون هذه الشكوى من جيبوتي أثناء زيارتكم لها؟ ما أهمية تلك الدولة في المحافل الدولية حتى تبعثوا منها برسالتكم للعالم أجمع؟ فالأهمية الوحيدة لجيبوتي في الوقت الحاضر هو موقعها المطل على مضيق باب المندب الذي يربط بين شرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية عبر الأراضي السعودية. ونظرا لموقعها الاستراتيجي في هذه المنطقة فهي تضم أكبر القواعد العسكرية الفرنسية في العالم، فضلا عن ضمها لقاعدة أمريكية غاية في الأهمية منذ عام 2002 وحتى الآن. وتقوم الدولة هناك بتلبية احتياجاتها من خلال ما تجنيه من أرباح من وراء هذه القواعد العسكرية.
وفي فترة سابقة أعلن عمر جيليه رئيس جمهورية جيبوتي بكل سعادة وفرح عن مشروع أجنبي جديد لبناء فنادق فخمة وعدد من صالات ألعاب القمار في جزر “الموكا” التابعة لبلاده.
وقد كان من الواضح والبيّن للجميع أن الشكوى من أوروبا في دولة تتحد وتندمج مع الغرب والدول الأجنبية بهذا القدر، لايهم تلك الدولة وإنما يهمنا نحن! ولكن كيف يمكننا تفسير القول: “إننا نختبر الاتحاد الأوروبي… ونقول لهم أأنتم ضد الإسلام أم لا؟ فإذا لم تكونوا ضد الإسلام فأنتم في موقف يجعلكم مضطرين لقبول تركيا في الاتحاد الأوروبي”.
ما هذا المنطق والعقلية التي تقول إن لم تكن تخاف من الإسلام يجب عليك الموافقة على انضمامي للاتحاد الأوروبي؟ وإن سألوك لماذا تقول هذا الكلام؟ أليس لديك ميزة أخرى غير هويتك الإسلامية؟ فالعناصر التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي ويجعله يقف في ذلك المستوى هي احترامه للحريات، واتصافه كل دولة من دوله بدولة القانون، وفصله بين السلطات، والشفافية، ومواجهته الفساد، واستقلالية القضاء في الدول الأعضاء به، والمساواة وعدم التمييز بين الأجناس سواء الذكور أو الإناث.. لماذا لا تتحدثون عن هذه القيم الكثيرة والمهمة؟ ربما لا تتحدثون عنها لأنكم قطعتم أواصركم وصلاتكم مع هذه القيم والمقومات. وإلا ما كنتم قلتم لأهالي جيبوتي الفقراء قبل أن تغادروا بلادهم بعدما تحدثتم لهم طويلا عن المواضيع التي لا تخصهم ولا تهمهم “لنشيد لكم مسجدا” لأنكم ترون مجرد الحديث عن الدين دواء لكل داء.
أصبحنا نشهد أمورا غاية في الغرابة تحدث من حولنا.. فهل ضعفت صلتنا بالحقيقة وابتعدنا عن الواقع؟