تكريت، العراق (أ ب)- مرتديا زيه الأخضر وبيده بندقية آلية ثقيلة، سارع يزن الجبوري الخطى نحو اطراف مدينة تكريت منتظرا بفارغ الصبر خطة الهجوم.
لعدة أشهر، عاش الجبوري في خوف ملاقاته أحد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. رفض مبايعة الجماعة المتطرفة وتركت رسائل على عتبة بيته تهدده بقطع رأسه. زوجته وأطفاله تلقوا تهديدات مماثلة هم أيضا.
قال يزن انه لم يرد أن يفعل شيئا حيال ادعش. وأضاف إن 156 منزلا من عشيرته دمر وقتل من عائلته 16 فردا.
وبرغم التهديدات والعنف، شعر بأن عليه رفع السلاح بوجه المتطرفين الذين هم من السنة مثله.
وأضاف “لا استطيع الجلوس دون فعل شيء فيما هم يرهبون أهلي.”
يزن الذي ينتمي الى عشيرة الجبور، وهي واحدة من أبرز العشائر العراقية، من بين نحو 150 مقاتلا من السنة انضموا في تحالف يسوده التوتر الى جانب الجيش وعشرات الآلاف من رجال الميليشيات الشيعية في مسعى لإستعادة تكريت من أيدي مقاتلي الدولة الإسلامية.
وينظر الى لواء السنة هذا، مع صغر حجمه، بأنه مكون حاسم ضد المتطرفين الذين استولوا على مساحات شاسعة من المحافظات ذات الغالبية السنية غربي العراق العام الماضي.
يتلقى هؤلاء المقاتلون التجهيزات من الحكومة العراقية، والتي يأتي أغلبها، حسبما يقول الجبوري، من إيران التي تمد قوات الأمن العراقفية بدعم هائل يتضمن أيضا التدريب والمشورة والعتاد في ساحة المعركة.
بدأ الهجوم لإستعادة تكريت في الثاني من الشهر الجاري. والمدينة واحدة من أكبر المدن التي استولى عليها التنظيم وتقع على طريق يربط بغداد بالموصل. وقال وزير الداخلية العراقي محمد سالم الغبان يوم أمس الاثنين إن الحملة توقفت مؤقتا للسماح للمدنيين بمغادرة المدينة وتمكين القوات من تطهير الطرق من العبوات الناسفة التي زرعها المتطرفون.
تنامى الإستياء السني منذ أن اطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بنظام صدام حسين عام 2003 وتسليم السلطة للشيعة. وتحت حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أعلن السنة عن تذمرهم من التمييز من جانب الشيعة قائلين انهم يتعرضون للإهمال والإستغلال.
وعلى مدار ثمانية أعوام هي عمر الاحتلال الأمريكي حاول متشددو القاعدة استثمار شكاوى السنة، وسرعان ما تحول هؤلاء المتطرفون إلى تنظيم يطلق على نفسه حاليا الدولة الإسلامية.
وفي نهاية المطاف حاربهم العديد من رجال القبائل السنة. وشكلوا ميليشيات عرفت باسم مجالس الصحوة، ودعمتها واشنطن التي سعت إلى تمكين السكان المحليين منهم في بعض أكبر معاقل التنظيم. إلا أنه سرعان ما فتر التزام الحكومتين الأمريكية والعراقية، وسرعان ما فقدت مجالس الصحوة زخمها.
اجتاح متطرفو الدولة الإسلامية شمال وغرب العراق الصيف الماضي، متطلعين إلى استثمار تذمر السنة وإستيائهم زاعمين انهم يعرضون بديلا للمقموعين السنة. أما رجال العشائر السنية الذين استمروا على معارضتهم لأيديولوجية التنظيم- كالجبوري- فاصبحوا مستهدفين.
وبدعم من الائتلاف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة الذي يقاتل المتطرفين، حاولت حكومة حيدر العبادي تمكين السنة من خلال تأسيس حرس وطني، وهي قوة تذكر البعض بمجالس الصحوة غير الفاعلة.
في محافظة الأنبار غربي العراق يشارك نحو 500 من رجال العشائر الحكومة في جهود مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. ويحصلون على اسلحة وتعويضات مالية.
إلا أنه لم يتسن جذب العديد من السنة، ولايزال هناك الكثير من العمل، خاصة اذا علمنا بأن رجال العشائر تبلغ أعدادهم ما بين 30 ألفا و40 الفا.
وقال العبادي الأسبوع الماضي، في دعوة غير مباشرة لأعضاء حزب البعث المحظور الموالين لصدام حسين، وغيرهم من السنة الذين حملوا السلاح مع تنظيم الدولة ضد حكومة بغداد ذات القيادة الشيعية “أدعو كل من ضلل أو ارتكب خطأ بإلقاء السلاح والانضمام إلى الشعب وقوات الأمن لتحرير مدنهم”.
إلا أن التحالف بين رجل كالجبوري والميليشيات الشيعية النافذة هو بمثابة تذكرة بأن الصراعات في العراق لم تكن أبدا كالأبيض والأسود. إذ وجهت اتهامات للميليشيات بالانتقام المروع من المدنيين السنة، ما أثار مخاوف من ان تكون شراكات ساحات المعارك تلك قصيرة العمر، أو أنها قد تفاقم من الانقسام الطائفي في البلاد.
في وقت سابق من هذا الشهر حثت هيومن رايتس ووتش – ومقرها نيويورك- الحكومة العراقية على حماية المدنيين في تكريت، والسماح لهم بالفرار من مناطق القتال. وأشار بيانها إلى “العديد من الفظائع” التي ترتكبها ميليشيات موالية للحكومة وقوات الأمن بحق السنة.
وقبل العملية دعا العبادي مقاتلي العشائر السنية إلى التخلي عن تنظيم الدولة الإسلامية، وعرض ما وصفه ب”الفرصة الأخيرة”، واعدا أيضا بالعفو عنهم. إلا أن محمد الجبوري، وهو مقتال سني آخر، يقول إنه غير قلق من انقلاب زملائه الشيعة عليه في نهاية المطاف، ويقول “إن داعش هم من قتلوا أبناءنا وأقاربنا ودمروا منازلنا، لذا أقاتل مع إخواني الشيعة للانتقام لهم. لا مخاوف لدي من إضرار الشيعة بنا. إنهم يخاطرون بحياتهم كما نخاطر بحياتنا. إنهم أشقاؤنا”.
————-
أسهمت فيفيان سلامة، المحررة بالأسوشيتد برس، في وضع هذا التقرير.