محمود آقبينار
كانت الدول الإمبريالية التي تحتل منطقة من المناطق في الحقبة الإمبريالية تفعل شيئين:
1- السعي لبسط نفوذها واستمراره عن طريق العمل على تقسيم شعوب المناطق التي تستعمرها واستقطابِها. وكان المستعمرون يستقطبون قطاعًا من المجتمع، ويمنحونه القوة والإمكانيات، ويجعلون سائر القطاعات الأخرى خصمًا لهذا القطاع. وكانوا يقومون بهذا التقسيم أحيانًا على أساس العرق وأحيانًا على أساس الدين أو المذهب وأحيانًا على أساس الاختلاف القبلي.
لكن المستعمرين كانوا حقًا يقسّمون المجتمع ويبنون توازنات تصب في مصلحتهم. فعل ذلك الفرنسيون عندما احتلوا سوريا، قسموا السوريين إلى سنة ونصيريين ودروز، ثم أسندوا المناصب الحساسة بالدولة إلى الأقلية النصيرية وجعلوها حليفهم القسري. وسيطرة نظام بشار الأسد والأقلية النصيرية اليوم تستند إلى هذه الاستراتيجية التي اتبعتها فرنسا. فالقوى الإمبريالية تحالفت بوجه عام مع الأقليات، ذلك أن الأقلية مضطرة للتحالف معهم في مواجهة الأغلبية.
المصلحة أولًا
فعلت بلجيكا الشيء نفسه في روندا، وقسّمت مجتمعًا متجانسًا حسب مجاله المهني وحتى طول القامة. ثم أوقعت بعضهم في بعض، وواصلت سيطرتها الاقتصادية والسياسية من خلال صراعاتهم.
وواصل الغربيون تنفيذ هذا التكتيك في الدول التي انسحبوا منها عقب الحقبة الإمبريالية، وحافظوا على وصاياتهم هناك.
2- تنظيم جهاز الدولة حسب مصلحتهم وإسناد المناصب الحساسة بالدولة إلى الأشخاص الموالين لهم، ولهذا كانت القوى الاستعمارية تغير جميع الموظفين رفيعي المستوى تقريبًا وتعين مكانهم أنصارها. وبهذه الطريقة كانت تقضي على ردود أفعال هذا البلد وتتمكن من تفعيل آليات تحمل الولاء لهم. وكان المسؤولون الذين عينتهم قوى الاستعمار بعد فترة يبدؤون التفكير في مصالحهم الشخصية بغضّ النظر عن مصالح الدولة المستعمَرة.
تقسيم المجتمع
أقدم حزب العدالة والتنمية على تنفيذ إنجازات رائعة خلال أول فترتين له في الحكم. غير أنه يعمل كالحكومات الاستعمارية في الفترة الأخيرة. فمن أجل مواصلة بقائه في السلطة يقسم المجتمع إلى أطياف متصارعة ويتسبب في أن تسود حالة من التوتر بينهم. ويسعى الحزب قبل كل انتخابات إلى تعميق هذا الانقسام بالشكل الذي يلحق أضراراً دائمة بالوحدة الوطنية. هذا فضلًا عن أن الحزب أضر مؤخرًا بتقليد الدولة وبنية مؤسساتها بدرجة لن تضر بها حتى حكومة الاستعمار، فعزل ونفى وصفّى جميع الموظفين الحكوميين من ذوي الخبرة والكفاءة، وتخلّى عن معايير كالقانون والمساواة والكفاءة وحوّل الدولة إلى دولته الخاصة.
ربما تكون حكومة حزب العدالة والتنمية حكومة شرعية جاءت عبر صناديق الانتخابات، لكنها ألحقت أضرارًا كبيرة بالمجتمع والدولة بالضبط كما فعلت الحكومات الاستعمارية في الماضي.