أحمد شاهين
أطرح سؤالًا: هل يحق للمسلم أن يتهم شخصًا لا يفكر مثله ويحاول أن يعاقبه على هذه الجريمة من وجهة نظره؟ وهل يسمح الدين الإسلامي لشخص واحد أن يحدد الجرائم وأن يعاقب مرتكبيها بنفسه؟ أم أن تحديد الجريمة ومعاقبة الشخص ليس من مهمة الفرد في الإسلام بل مهمة العدالة؟ هل يمكنكم أن توضحوا لنا هذه النقطة الحساسة؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] كل إنسان في الإسلام معصوم منذ ولادته، ويتمتع بالحصانة! وتستمر هذه العصمة والحصانة طوال حياته، ولا يمكن لأحد أن يكون له الحق في التعدي على حياة هذا الإنسان البريء أو ماله أو عرضه![/box][/one_third]الإجابة: لقد ضمن الإسلام حماية حياة الإنسان منذ ولادته، وتستمر هذه الحماية إلى مماته. وليس من حق أحد أن يلصق اتهامًا بشخص آخر ويعاقبه على ذلك. ويمكن أن نلخِّص هذه الحصانة التي يتمتع بها الإنسان منذ ولادته حتى وفاته على النحو التالي:
المادة الأولى: كل إنسان في الإسلام معصوم منذ ولادته، ويتمتع بالحصانة! وتستمر هذه العصمة والحصانة طوال حياته، ولا يمكن لأحد أن يكون له الحق في التعدي على حياة هذا الإنسان البريء أو ماله أو عرضه!
ولو ارتكب هذا الإنسان المعصوم صاحب الحصانة منذ ولادته جريمة في فترة من فترات حياته، فإن مسؤولية تحديد هذه الجريمة ومعاقبته عليها لا تقع على مَن غضب عليه، بل على الجهات القضائية التي تقرر هذا وتحدد العقاب المناسب له.
ولهذا لا يمكن لأي شخص أن يتصرف وكأنه المدعي والقاضي ومنفذ الحكم في آن واحد ليلصق الاتهامات بكل شخص يغضب عليه لأنه لا يفكر بالطريقة نفسها التي يفكر بها ويحدد عقوبة هذه الجريمة ويحاول أن يطبق هذه العقوبة بنفسه. ولا يمكن أن يكون له صلاحية كهذه، فإذا حاول أن تكون له صلاحية كهذه فماذا سيحدث؟
حينها يكون الطرف الآخر هو أيضًا لديه الحق والصلاحية ذاتها، ويرى في نفسه حق الرد بالمفهوم نفسه. وفي هذه الحالة يضيع أمن الأرواح والممتلكات والأعراض في المجتمع. فترى كل شخص يلصق الاتهامات بمن يغضب منه ويعمد إلى معاقبته. وحينها تبدأ مرحلة الفتنة والفوضى. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذَّر من يوقد هذه الفتنة بقوله:
“الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها!”
وفي الواقع فإن من يتحرك على حسب هواه من الإرهابيين يوقظ هذه الفتنة. فهو يحدد الاتهامات بحسب هواه ويعاقب الناس بالمنطق نفسه، ليكون بذلك هو القاضي وهو منفذ الحكم في الوقت نفسه. لكن الإسلام لا يمنح أحدًا صلاحية العقاب دون حساب أو محاكمة على هذا النحو.
المادة الثانية: لا يمكن للمسلم أن يقف صامتًا أمام جرائم العقاب من دون وجه حق هذه من غير أن يبدي رد فعله، ولا يمكن له أن يكون طرفًا بها أو أن يميل إليها بقلبه حتى، كما لا يمكنه أن يقول إن هذه جرائم فردية لا أهمية لها.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] لا يمكن للمسلم أن يقف صامتًا أمام جرائم العقاب من دون وجه حق هذه من غير أن يبدي رد فعله، ولا يمكن له أن يكون طرفًا بها أو أن يميل إليها بقلبه حتى، كما لا يمكنه أن يقول إن هذه جرائم فردية لا أهمية لها.[/box][/one_third]ذلك أن تحذير المولى سبحانه وتعالى في سورة المائدة واضح. فالإسلام يساوي بين قتل نفس واحد وقتل الناس جميعًا في العقاب، وتحذر الآية الإنسان على النحو التالي:
“مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيْعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا” (المائدة – 32)
ومن هذا المنطلق، فإن حياة إنسان واحد يليق بها أن تكون تحت الحماية وتحترَم كحياة البشرية كلها. ولا يمكن التضحية بشخص واحد لا أهل له في سبيل الفوضى بقولنا: “هذا إنسان واحد” تحت أية ذريعة. ولا يمكن العفو عن مرتكبي الجرائم الشخصية لأي سبب كان. فحياة إنسان واحدة تتمتع بما تتمتع به حياة جميع البشر من حصانة وحماية.
المادة الثالثة: أقرَّ الإسلام حصانة وحماية لحياة الإنسان من وقت ولادته في وقت السلم، كما وضع قواعد تحمي حياة الإنسان وقت الحرب. وقد طبَّق المسلمون هذه القواعد فعليًا وكانوا مثالًا في ذلك على مر العصور. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول خليفة عيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس جيش المسلمين الذي خرج في جهاد من المدينة المنورة، وقد نبهه هو وسائر المجاهدين قائلًا:
“يأيها المجاهدين! انتبهوا ولا تحسبوا أن لديكم الحق في فعل كل ما ترغبون وقتل كل إنسان في أرض الأعداء. إياكم أن تلحقوا أذى بكبار السن أو النساء أو الأطفال أو المرضى أو المعابد أو المواشي أو الممتلكات. ولا تنسوا أن عدوكم هو من يقاتلكم في ساحة الحرب!”.
هذه هي حقوق الحصانة التي أقرَّها الإسلام لحياة الإنسان منذ ولادته ونماذج من حمايته له حتى في أوقات الحرب!
” فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ” (الحشر – 2)