بقلم : السيد عبد الفتاح
رئيس مركز القاهرة للدراسات الكردية
عانى الشعب الكردي خلال عقود طويلة ماضية ، من مختلف صنوف الاضطهاد والظلم والقهر والحرمان من الحقوق ،بل إنه في البلاد التي يعيش فيها عانى من انكار وجوده أصلا ، ومن عدم الاعتراف بتمايزه اللغوي والثقافي والتاريخي . ومع اشتداد هذا الانكار لم يكن أمام الشعب سوى الثورة على الظلم والطغيان ، والحفاظ على الهوية الكردية المميزة ، ومقاومة كافة الأساليب والمحاولات بالقورة لتذويبهم في المجتمعات التي يعيشون فيها، من تعريب وتتريك وتفريس .
لم يختلف وضع الكرد في تركيا عن العراق وسوريا وإيران ، المعاناة واحدة والقهر واحد وإن تعددت الأساليب.
على أنه يبدو أن هذا العهد قد ولى ، وصرنا نعيش عهدا جديدا اختلفت فيه الصورة تماما ، فالسنوات الأخيرة وتحديدا منذ 1991 و2003 صار كرد العراق يحكمون أنفسهم بأنفسهم ، يتحدثون لغة آبائهم وأجدادهم ، ويمارسون ثقافتهم وتقاليدهم بحرية .
ومع الأيام وتغير موازين القوى في المنطقة ، وبروز تنظيمات إرهابية مثل داعش ، كان الكرد على موعد مع النهوض في كل من سوريا وتركيا .
كل الشواهد على الأرض تؤكد أن نهوض الكرد صار حقيقة لاجدال فيها .
وإذا كانت تجربة كرد العراق نالت حظها من الاهتمام ، فإننا نتناول في هذه السطور نهوضهم في تركيا وسوريا ، نظرا للارتباط الكبير بين الكرد في البلدين بحكم الجغرافيا ، ولأن من يقود عملية النهوض فيهما ينتميان لنفس الرحم “حزب العمال الكردستاني”.
ففي تركيا ومع انفتاح الدولة على القضية الكردية ، وبدء عملية تفاوضية ماتزال مستمرة ، لمحاولة إقرار سلام لواحدة من أعقد وأدمى المشكلات الداخلية .يمكن القول إن هذه الخطوات كانت مقدمات لانخراط الكرد في العملية السياسية السلمية ، وتخليهم تدريجيا عن خيار السلاح ، ما انعكس بعد ذلك في انجاز حققه حزب الشعوب الديمقراطي ـ أحد أبناء حزب العمال ـ باقتناص 80 مقعدا برلمانيا عقب الانتخابات النيابية الأخيرة .
وبعيدا عن الأسباب والعوامل التي أدت لهذه المفاجأة ، فإن النتيجة الأهم هي أن الكرد صاروا رقما مهما في المعادلة السياسية التركية. وصارت الاحتمالات أكبر وأقوى لتبني الخيار السلمي لحل المسكلة الكردية . وبهذا الانجاز صار الكرد أحد أطراف البناء في تركيا بالتعون مع القوى والأحزاب الأخرى . وهو أمر يلقي بالمسئولية على حزب الشعوب الذي تبنى خطابا ابتعد عن القومية الكردية في دعايته الانتخابية ، ما جعل مطلوبا منه المساهمة الفعالة في خدمة تركيا والشعب التركي بمختلف مكوناته .
ويمثل هذا الانتصار خطوة مهمة في النهوض الكردي خاصة في تركيا ، ينعكس إيجابا على كرد سوريا المرتبطين عضويا وأيديولوجيا بكرد تركيا .
ففي سوريا نجح الكرد ، وأقصد حزب الاتحاد الديمقراطي ـ الذي ينظر إليه باعتباره الفرع السوري لحزب العمال ـ في فرض سيطرته على أغلب المناطق الكردية في شمال وشمال شرقي سوريا ، وأن يقيم تجربته الخاصة في الحكم أطلق عليها الادارة الذاتية الديمقراطية ، في الكانتونات الثلاثة ( الجزيرة وعفرين وكوباني).
ويوما بعد آخر تزداد رقعة المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها الحزب ، بما يحققه من انتصارات على تنظيم داعش المتطرف . كما أن تجربة الادارة الذاتية تنمو وتزداد رسوخا .
إن النهوض الكردي بدأ واكتسب تعاطفا وتأييدا إقليميا ودوليا بفضل الدور الكبير الذي يقوم به الكرد في الحرب ضد داعش في العراق وسوريا ، وبالانخراط في العملية السياسية في تركيا .