باماكو (زمان عربي) – يستمتع الماليون وهم أول الشعوب التي اعتنقت الإسلام في غرب إفريقيا ببركة شهر رمضان وسط أجواء خاصة ويحرصون على ختم القرآن الكريم في صلاة التهجد في أيام الاعتكاف كما يتناولون السحور مع مواعيد الأذان الذي يُرفع ثلاث مرات.
وتُعد مدينة تمبكتو، المشهورة عالميًا والواقعة بالقرب من الصحراء الكبرى مباشرة، مركزًا للعلم تربى فيه علماء عظام على مر التاريخ. كما تعتبر كل من مدينة تمبكتو المعروفة بجوامعها المشيدة بالطوب اللبن على مر العصور وأدت في سالف الزمان وظيفة الجسر بين العالم العربي وإفريقيا السمراء، وجنه مدينتين مهمتين لعبتا دورًا في ريادة نشأة تقاليد وأعراف رمضان في المنطقة.
وتشهد كل جوامع مالي بهجة أجواء شهر رمضان بفضل ختم القرآن الكريم. حيث تُحيى القلوب والأفئدة بقراءة القرآن الكريم ومجالس تفسير آيات الذكر الحكيم، وتستمر هذه المجالس حتى نهاية الشهر المبارك.
واللافت أيضًا أن المؤمنين لا يتركون المعتكفين في المساجد وحدهم في العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم، الذي يوصف بأنه سُلطان الأحد عشر شهرًا، بل يشاركونهم صلاة التهجد التي يؤدونها عقب منتصف الليل.
شوربة خاصة برمضان؛ الميل
ويفضل الماليون طعاما يشبه الشوربة التي يتم إعدادها من بذرة نبات يسمى بـ “الميل” الذي يتم تحضيره خصيصًا في شهر رمضان المبارك. وتأتي الأكلة المسماه بـ “الميل المغلي” على رأس المواد الغذائية التي يتم استهلاكها في الشهر الكريم مع التمر وشاي “الكانكليبا”.
ويتم تناول أكلة الميل المغلي بعد الإفطار بنحو ثلاث أو أربع ساعات. حيث يتم استهلاك هذه الأكلة المشبعة للغاية من أجل جعل جسم الإنسان أكثر مقاومة في الأجواء الحارة.
ويتم الإفطار في هذه المنطقة، التي يغلب عليها المناخ شبه الاستوائي، على التمر بمجرد رفع أذان المغرب، كما يجب احتساء شاي الكانكليبا قبل صلاة المغرب. بعد ذلك يقوم أفراد الأسرة بأداء الصلاة.
وكما هو شائع بجميع أنحاء القارة السمراء، تعيش في مالي أيضًا ثلاث أو خمس أسر أو أكثر في فناء واحد. حيث يتم طبخ الطعام من قبل سيدات هذه المنازل بالمناوبة كل حسب دورها. وعقب أداء صلاة المغرب يفطر الجميع ويتناولون الطعام الرئيسي ثم يبدأ التحضير لصلاة التراويح. ويصلي الماليون صلاة التراويح ثمان ركعات بوجه عام، وسط جماعة من المصلين الذين تكتظ بهم الجوامع التي لا تسعهم في بعض الأوقات. كما تمتلئ الشوارع في كل مكان بالناس الذين جاؤوا لصلاة التراويح.
ولا يوجد فارق في طول ساعات الليل والنهار في هذا البلد الذي يقع بالقرب من خط الاستواء. حتى في الليل. ولهذا السبب لا تخلو موائد الماليين من مشروب الكركديه والزنجبيل المسمى بـ “جنجن” من أجل تلبية احتياجات الجسم من السوائل.
تناول الحليب في السحور
يطلق الماليون على وقت السحور “سوجوري”. ومن الأطعمة التي لا غنى عنها على مائدة السحور في مالي الحليب والأطعمة المصنوعة من الحليب والأرز. فيما يتسحر الفقراء على البيض المسلوق. ويرفع الأذان ثلاث مرات قبل وقت الإمساك. ومع آخر أذان يبدأ حظر تناول الأطعمة والمشروبات، ويدخل وقت صلاة الفجر.
وفي هذا الشهر يُباع التمر في كل الأماكن. وعادة ما ترتدي السيدات الحجاب إلى جانب ملابسهن التقليدية. فيما يفضل الرجال ارتداء الملابس الخاصة التي يطلق عليها “بازين”. ولا ترتدي السيدات الملابس التي تلفت الأنظار ولا يضعن المكياج ولا العطور في الشوارع.
ويحب الشعب المالي تقديم دعوات الإفطار والضيافة نظرًا لأن أواصر الأسرة في مالي قوية للغاية. إذ تقوم بعض الأسر ميسورة الحال قرب عيد الفطر بذبح الأغنام أو الماشية لتقديمها لأقاربهم.
ويعيش الأتراك في مالي في العاصمة باماكو ومدينة سيجو. ويعرب الكثير من الماليين عن سعادتهم بمجرد أن يعلموا أن الأتراك مسلمين.
كما أن التكاتف الجماعي الموجود على مائدة الإفطار التي ينظمها مركز “جالاكسي” التركي للثقافة والحوار يصبح وسيلة لتأسيس صداقات حميمية بين المجتمع، كما يتيح شهر رمضان فرصة تعرف الثقافات المختلفة على بعضها البعض عن قرب.