أردال صاغلام
أخيرا تم التوصل إلى اتفاق بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، ويقضي هذا الاتفاق بوضع البرنامج النووي الإيراني تحت الرقابة. وبدأت هذه الاتفاقية تؤتي أكلها في الأسواق العالمية حيث بدأت أسعار النفط تتراجع كما ارتفع معدل عملات الدول النامية أمام الدولار واليورو.
وظهرت هذه التأثيرات في الداخل أيضا، لكن الموضوع الأساسي بالنسبة لتركيا يكمن في الإجابة عن السؤال: “هل ستستفيد تركيا من الفرص الناتجة عن هذه المرحلة الجديدة في الأمد البعيد أو المتوسط، أم إنها ستتأثر سلبا بالمشاكل التي قد تنجم عنها؟”
إن هذه الاتفاقية تمثل خطوة ملموسة نحو انسجام إيران مع المجتمع الدولي. وبعبارة أخرى ستغدو إيران سوقا لتبادل التجارة مع العالم كله. وأهم سبب في ذلك هو رفع العقوبات التجارية عن إيران كما تنص الاتفاقية. أي إن إيران ستتمكن من تصدير مواردها لاسيما من النفط والغاز الطبيعي من جهة؛ كما أنها ستبدأ بتبادل تجاري ضخم مع الغرب بشكل خاص من جهة أخرى.
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الجارة الكبرى تركيا؟
أولا، إخلاء إيران من السلاح النووي سيحد من القلق الأمني بالنسبة لتركيا. بالإضافة إلى أن استقرار إيران وكونها دولة قوية يقلل من احتمال حدوث النزاعات في المنطقة.
وإذا ما ألقينا نظرة اقتصادية على هذا الموضوع فإن تأثر تركيا بهذه المرحلة الجديدة مرهون بالحكومة التركية إلى حد ما. وعموما من الواضح أن إيران بتخلصها من العقوبات الاقتصادية فإنها ستستورد جانبا من احتياجاتها من تركيا لقربها الجغرافي.
كما أن تركيا تحاول إيجاد الفرص من أجل تصدير الآلات والأجهزة الكهربائية المنزلية والسيارات للأسواق الإيرانية. ومع رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران قد تحقق تركيا نتائج إيجابية في هذا الصدد.
لذا ينبغي علينا أن نقول إن تركيا خلال مدة وجيزة ستخفف من تجارة الذهب التي تقوم بها في السنوات الأخيرة لسداد عجز الحساب الجاري.
ولن تعود إيران بحاجة لاستيراد الذهب من تركيا بشكل غير مباشر لقاء بعض صادراتها، إذ سيكون بمقدورها الاستيراد والتصدير مباشرة.
وحتى لو كانت إيران بحاجة إلى الذهب فإنها ستستورده من سويسرا مباشرة. ثم إنها لن تستخدم طريق الذهب لمآرب أخرى.
وهناك من يقول: “إن تركيا تهم الغرب بسبب موقعها”. فبسبب موقعها الجيوستراتيجي تعد تركيا شريكا دائما للغرب. ولذلك قد لا يكون خطأً إن قلنا إن الغرب تغاضى عن بعض أخطاء تركيا لهذا السبب. وانطلاقا من ذلك تظهر الأهمية الأساسية لهذه الاتفاقية بالنسبة لتركيا.
كما أن تركيا يمكنها الاستفادة من هذه الاتفاقية لتمارس التجارة خلال مدة وجيزة ولكن قد تتحول إيران إلى منافس فيما بعد.
إذ إن عدم تصالح إيران مع الغرب كان من الأسباب التي تزيد من أهمية تركيا.
علينا ألا ننسى أن إيران قد تجذب رؤوس الأموال الغربية أكثر من تركيا بخصوص استثمارات البنية التحتية والاستثمارات الصناعية والتجارية. وهذا يتطلب مزيدا من الوقت للوصول إلى مرحلة النضج.
تملك إيران رابع أكبر احتياطي للنفط والغاز الطبيعي، فإذا استفادت إيران من هذه الإمكانيات بشكل جيد فقد تحقق نقلة نوعية في المستقبل القريب.
إذن يجب على تركيا أن تتراجع سريعا عن أخطائها الدبلوماسية. فالعالم كله يشاهد السياسة المذهبية. ومن المؤكد أن علاقتنا بإيران قد أصابها شيء من الفتور لهذا السبب.
وعليه فإذا كانت تركيا تود الاستفادة سياسيا واقتصاديا من الاتفاق الإيراني فلا بد من تغيير سياستها الخارجية التي انتهجتها في الآونة الأخيرة. ومن المؤكد أنها ستحصل على نصيبها من الاتفاق الإيراني.
الجدير بالذكر أن تركيا بإمكانها أن تصبح معبرا مهما للطاقة من خلال الاتفاق مع إيران. فإن انتهزت تركيا هذه الفرص دون إغاظة السعودية، مع الحفاظ على علاقاتها الودية بإسرائيل، والعودة إلى السياسة الخارجية المتزنة؛ سيؤثر تأثيرا إيجابيا كبيرا في اقتصاد البلد.