رام الله، الضفة الغربية (أ ب)- سربت على شبكة الإنترنت وثيقتان توضحان محاولتين لمسؤولين فلسطينيين اثنين لإساءة استخدام أموال عامة، ما أثار حالة من السخط وألقى الضوء على الفساد وسوء الإدارة اللذين يقول منتقدون إنهما لا يزالا مستشريين في أروقة الحكومة الفلسطينية.
جاء الكشف عن الوثيقتين في حين يشهد الاقتصاد الفلسطيني حالة من الركود، كما يزداد استياء الفلسطينيين إزاء الخدمات الحكومية.
ودافع مسؤولون في السلطة الفلسطينية عن سجلهم في القضاء على الفساد، قائلين إنهم ينقذون ملايين الدولارات من أموال كان يتم تبذيرها.
وأكد مسؤول فلسطيني بارز، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بمناقشة مسألة تسريب الوثيقتين، لأسوشيتدبرس، صحة ما ورد في الوثيقتين، حيث تعرض لمحة نادرة عن عمل الحكومة الفلسطينية التي تعثرت لفترات طويلة بسبب الصراعات الداخلية.
وفي إحدى الوثيقتين، والتي تحمل توقيع مجدي الخالدي المستشار الدبلوماسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس والذي يرافقه في زياراته الخارجية للعواصم العالمية، تمت مطالبة وزير خارجية البحرين بمبلغ أربعة ملايين دولار لتمويل مجمع سكني خاص لمسؤولين فلسطينيين في منطقة راقية برام الله في الضفة الغربية. وأصر الخالدي على أن المجمع كان يهدف إلى “مقاومة المستوطنات الإسرائيلية”، على الرغم من عدم وجود مستوطنات حيث أقيم المجمع.
تعد معارضة المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية مصدر حشد كبيرا للفلسطينيين الذين يطالبون بالأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 إبان حرب الشرق الأوسط لتصبح جزءا من دولتهم المستقبلية إلى جانب قطاع غزة والقدس الشرقية.
ولم يتضح ما إذا كانت البحرين قد دفعت المبلغ الذي طلبه الخالدي، الذي رفض التعليق عندما تواصلت أسوشيتدبرس معه.
أما الوثيقة الأخرى التي تحمل توقيع نظمي مهنا، مدير عام الادارة العامة للمعابر والحدود في السلطة الفلسطينية، فتطالب الحكومة بدفع المصروفات المدرسية لابنته فضلا عن تكاليف علاج أسرته في الأردن، بإجمالي خمسة عشر ألف دولار، وهو مبلغ ضخم بالنسبة للفلسطينيين.
ودافع مهنا عن طلبه، قائلا إن الحكومة الفلسطينية تسمح بذلك.
وقالت الحكومة في وقت لاحق إنها لم تدفع ذلك المبلغ.
الغضب من الوثيقتين انتشر بسرعة على وسائل الاعلام الاجتماعية، حيث تحدى الفلسطينيون كل شيء من أموال قيادتهم إلى شرعيتها السياسية على خلفية التأجيل المتكرر للانتخابات التي جرت آخر مرة في عام 2005.
وكتب محمد أبو علان، وهو مدون سياسي فلسطيني، على فيسبوك “إذا كانت ابنة مهنا تكلف السلطة الفلسطينية 6500 دينار أردني (حوالي 9175 دولار) في مدرسة خاصة في الأردن، فماذا عن الطلاب الفقراء في المدارس الحكومية؟ من الذي سيهتم بهم؟”
ويقول مراقبون إن الفساد تراجع منذ وفاة ياسر عرفات في عام 2004. ووعد عباس بإجراء إصلاحات، لكنه تعرض لانتقادات لتجاهله الفساد بين الموالين له في حين يستهدف الخصوم السياسيين.
وقال عزمي الشعبي، رئيس مؤسسة “أمان”، وهي فرع من منظمة الشفافية الدولية، “هناك ثقوب سوداء كبيرة” في النظام المالي والإداري الفلسطيني “تحتاج إلى معالجة وإصلاح”. وأضاف أن ذلك يشمل عدم نشر التقارير المالية بشكل صحيح وفي الوقت المناسب في حين لا يتم الإشراف على نحو 20 صندوقا تديرها الحكومة برئاسة مديرين تنفيذيين يتقاضون رواتب مبالغ فيها.
وقال الشعبي إن الإدارات العامة المختلفة أصبحت “ممالك خاصة” لبعض المسؤولين.
وكان المجلس التشريعي الفلسطيني، والذي يتمتع بسلطات رقابة محدودة، تم حله منذ طردت حركة المقاومة الاسلامية حماس حكومة عباس في غزة في عام 2007.
وقال رفيق النتشة، رئيس هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، إن الهيئة تحارب الكسب غير المشروع واستعادت الملايين من الدولارات المسروقة. لكن الوثائق المسربة عززت اعتقاد الفلسطنيين بأن حكومتهم لا تزال فاسدة.
كتب رامي مهداوي، وهو كاتب عمود في صحيفة الأيام الفلسطينية، على فيسبوك “نحن بحاجة لرؤية الصورة الحقيقية التي هي أكبر بكثير من رسوم ابنة مهنا. النظام الفلسطيني كله بحاجة إلى معالجة وإصلاح للتخلص من الفساد المستشري وسوء الإدارة والمحسوبية”.