إسطنبول (زمان عربي) – بعد أن صور تنظيم داعش الإرهابي عمليات تحطيمه للتماثيل الأثرية في العراق قام بتفجير معبد “بعل شمين” في مدينة تدمر الأثرية التي سيطر عليها مؤخرا.
تعرضت هذه المدينة التي تعتبر عروس الصحراء للهدم مراتٍ عديدة عبر تاريخها المنكوب.
ولم نكن نعرف شيئا عن مصير تدمر حتى وقت قريب إلى أن وقعت في قبضة داعش. وبعد ذلك سمعنا بإعدام عالم الآثار بطريقة وحشية. ونشر داعش مؤخرا صورا لتفجير معبد بعل شمين.
وحيثما يدخل داعش في مكان يزول الأمل بسبب أعمال النهب والتخريب التي ينفذها في كل مدينة يسيطر عليها. ويبدو أن هذه المدينة الملقبة بـ”عروس الصحراء ” لن تُذكر بعد الآن إلا في الأساطير التي تدور حول الملكة زنوبيا التي عاشت تدمر في ظلها أزهى عهودها. أو بوصفها المدينة التي جاءتها الملكة بلقيس لزيارة نبي الله سليمان عليه السلام.
وقد أطلق عليها اليونانيون والرومان اسم (بالميرا) أي بلاد النخيل؛ وذلك بسبب كثرة أشجار النخيل فيها. وتقع تدمر وسط بادية الشام في سوريا، على طريق القوافل التجارية.
تتبع مدينة تدمر الأثرية لمحافظة حمص إلى الشمال الشرقي من العاصمة دمشق، وإلى الجنوب الغربي من حوض نهر الفرات. وشهدت العديد من الحروب التي دارت رحاها بين الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، وذلك لقربها من المدن الاستراتيجية المهمة.
خربت المدينة كثيرا، وتعرضت للعديد من الزلازل، ورغم ذلك حافظت على جانب كبير من آثارها إلى أن امتددت لهها يد داعش بالتخريب. وهي ضمن قائمة اليونيسكو للتراث الإنساني العالمي. ولكن لم يُتخذ أي إجراء لحماية هذا التراث.
وثمة روايات عديدة حول تاريخ تدمر. فيرد في التوراة مثلا أن سليمان عليه السلام الذي حكم المنطقة مترامية الأطراف من الفرات إلى مصر هو الذي بنى هذه المدينة التي تشتهر بأبنيتها الفخمة وأعمدتها الضخمة ومسرحها القديم.
في حين تذكر بعض الروايات أن ملكة سبأ بلقيس زارت النبي سليمان عليه السلام في تدمر. كما دلت بعض الآثار البابلية على أن تاريخ هذه المدينة يعود إلى القرن 19 قبل الميلاد.
وكانت تدمر تستقطب العديد من السياح قبل الحرب التي تشهدها سوريا؛ لأنها تحتوي على معابد وثنية وكنائس رومانية وقصر الحير الذي بناه الأمويون على طريق دمشق – تدمر.
وكان العصر الذهبي لتدمر التي سيطر عليها داعش هو عهد الملكة زنوبيا. وهي أكثر ملكة محبوبة حكمت هذه المدينة التي قدمت التضحيات من أجل كثير من أباطرة الساسانيين والرومان. وقد كانت زنوبيا ملكة محاربة تركب فرسها وتقود جيشها لمسافات طويلة.
وثمة أساطير كثيرة تُروى عن زنوبيا التي حققت الشهرة لتدمر. حيث وصلت إلى سدة الحكم بعد وفاة زوجها، وأعلنت عصيانها للإمبراطورية الرومانية. وسيطرت على سوريا ولبنان وفلسطين ومصر بالإضافة إلى جنوب وشرق الأناضول ردحًا من الزمن. فهي أرادت السيطرة على طرق التجارة بدلا عن الإمبراطورية الرومانية، وذلك لتأسيس إمبراطورية شرقية كبيرة تكون عاصمتها تدمر. وثمة قرابة ألفي نقشة كتابية، والعديد من الأطلال التي لا مثيل لها، وهي تعود إلى هذه الحقبة.
وكانت شهرة الملكة زنوبيا نابعة من قوتها وأصالتها. وتتحدث المصادر عن ذكائها وجمالها، وهناك من يرى أن اسمها هو أساس الاسم زنوبة أو زينب.
إلا أن حكم زنوبيا والعصر الذهبي لعروس الصحراء لم يدم طويلا. فقد احتل الإمبراطور الروماني أورليان مدينة تدمر، وتم تخريب المدينة بسبب مقاومتها لهذا الاحتلال. وقد صمدت الملكة زنوبيا أمام الاحتلال في بداية الأمر إلا أنها في نهاية المطاف وقعت أسيرة بالقرب من حوض الفرات.
وتيكر بعض الروايات أنها قُتلت في ذلك المكان أو على الطريق، ولكن ثمة رواية تفيد بأنها قُيِّدت بسلاسل ذهبية وسيقت في شوارع روما حتى افتتن الناس بجمالها، وعُفي عنها.
وكانت هذه الملكة الارستقراطية قد عاشت في ظروف جيدة بوصفها حاكمة قديمة. أما تدمر فلم تكن محظوظة مثل هذه الملكة، فهي مدينة لا تزال تشهد الحروب والخراب والهدم.