متين فيزي أوغلو
إن كنتم تزعمون أنكم تعيشون في بلد فيه نظام ديمقراطي وتتعرض في البلد نفسه مجموعة إعلامية أو مجموعة شركات لمداهمة من قبل قوات الأمن فعليكم أن تستفسروا عن سبب هذه المداهمة وأن تحققوا للتوصل إلى حقيقة الأمر ومراقبة ما يدور.
لأن هذه المداهمة تعدُّ عملية ضد المبادرات الحرة. وإن كان ذلك قد نُفِّذ من غير وجه حق، فيمكنكم أن تجزموا بأن السلطة السياسية تتصرف بهدف الضغط على المبادرات الحرة. ومن ناحية أخرى فإن كانت هناك عملية تستهدف الصحافة وتخالف القانون، فإنها عملية تسعى للنيل من حريتنا جميعا وتمنعنا من الحصول على الأخبار. وفي هذه الحالة تكون الديمقراطية هي المستهدفة في الأساس.
وفي ذلك توجه نحو القضاء على الديمقراطية، وترسيخ حكم الأقلية أو ليكون الحكم بيد طبقة معيّنة أو شخص واحد بعينه. ولذا فإن الأحداث التي نعيشها اليوم ليست أحداثا عادية. فإن كانت حرية الصحافة وحرية التعبير عبارة عن حرية التصفيق للحكومة في بلد ما، فذلك يعني أنه لا وجود للديمقراطية في ذلك البلد في الحقيقة. وبالتالي فإن الذين يتولون السلطة السياسية يجرون الجماهير إلى أهدافهم دون أن يشعر أحد ولا يرضون بمن ينوي عرقلتهم عن مواصلة سيرهم. فإن شاؤوا زجوا بالناس في الحرب، وقادوا البلاد نحو أزمات اقتصادية خانقة من خلال خطاباتهم السياسية. كما أنهم يستولون على أية شركة تخطر ببالهم، أو يقضون عليها، أو يدفعونها إلى الإفلاس أو يدعمونها حتى تكبر أكثر إن شاؤوا ذلك.ولا أحد يتمتع بأمان قانوني في البلدان التي تنتشر فيها مثل هذه الإجراءات. حتى حق الحياة فيها يكون مستهدفا. ولذلك فإن هذه العملية ليست عادية أبدا. وهذا الوضع يستدعي اهتمام العالم كله وليس اهتمامنا فحسب.
ثمة قرار تحرٍّ وتقصٍ مكوَّن من 4 صفحات. وتوجد أرقام هواتف الأماكن والأشخاص الذين يُطلب التحري عنهم في صفحتين من صفحات هذا القرار. في حين تحتوي الصفحتان الأخريان على تفاصيل القرار، حيث تُذكر التهم بإدارة تنظيمات إرهابية يقودها فتح الله كولن. أولا ثمة حكم مسبق في هذا القرار. حيث يُذكر في القرار أنه لا شك في وجود تنظيم إرهابي كهذا. وأنا أعلم أن وجود مثل هذا التنظيم الإرهابي لم يثبت بأي قرار قضائي. ودائما نسمع عبارة “الكيان الموازي”. وإن تكرار هذه الأكذوبة لا يعني أنها صحيحة. طبعا لا يمكن أن نوافق على وجود كيان موازٍ في الدولة دون أن ينص عليه الدستور؛ سواء في القضاء، أو الأمن، أو المخابرات، أو الدوائر الحكومية الأخرى. فإن كان ثمة شيء من هذا القبيل حقا، فإن الكشف عنه هو مهمة القضاء المستقل المحايد. ولكن لم يصدر أي قرار مسوغ يُقنع الجميع حتى الآن. ورغم ذلك كله لماذا يقال “إن هناك تنظيما إرهابيا مسلحا”؟ لأن ذلك يستدعي تطبيق المادة 314 من قانون العقوبات التركي. حيث إن الفصلين 4 و 5 من هذه المادة تتحدثان عن معنى إدارة تنظيم إرهابي مسلح لارتكاب الجرائم.
فإن كان هذا التنظيم الإرهابي قد خدع الحكومة طوال هذه المدة، فذلك يعني أنكم لستم أهلا لإدارة الدولة. وإن كنت تدعي أنك خُدعتَ فيجب عليك أن تستقيل. وبالنظر إلى هذه المواد نجد أن هناك حديثا عن وجود تنظيم إرهابي دون أي إثبات.
لا يوجد أي دليل. رغم ذلك فهم يتبنون فرضية مثل الاتهام ب”تمويل الإرهاب”. وفي النتيجة هم يفترضون وجود مثل هذا التنظيم. كما أن هناك تهمة بالترويج للتنظيم الإرهابي أيضا، وهي بحد ذاتها تهمة كبيرة.
ومن جانب آخر فإن هناك مزاعم حول وجود اختلافات مشكوك بها ولا تنسجم مع طبيعة التجارة في الجداول المالية والمعاملات المصرفية لدى شركات مجموعة إيبك. فهم يدّعون أن المعاملات المالية بين هذه الشركة وبعض شركات أخرى تخالف طبيعة التجارة، فعلى أي أساس يدّعون ذلك؟ ويزعمون أن في ذلك مكاسب لا يمكن توضيحها بسبب ما تستلزمه المعاملات التجارية، فعلى سبيل المثال إذا كان الربح 5% فهو طبيعي، أما إذا كان بمقدار 5.5% فهو غير طبيعي، هذا شيء لا يمكن توضيحه. إذن يجب عليكم أن تعلموا أي هذين المبلغين فاحش: 100 ليرة أم 100 ألف ليرة؟ لأنه يجب عليكم أن تعرفوا ما هو الربح الفاحش، حتى يمكنكم أن تقولوا: “نحن حققنا أرباحا طبيعية في معاملاتنا التجارية”. فهذا شبيه بالملاكمة في الظلام. ولابد من طرح الأدلة إن أردتم أن تدعوا وجود تنظيم إرهابي مسلح. وإلا فذلك أشبه بمقولة: “توجد هنا طاولة لكنك لا تراها”.
فعلى سبيل المثال طرحوا قضية اسمها “أرجينكون”. وربما قد وضعوا من حاول الانقلاب والناس الشرفاء في هذا البلد في كفة واحدة، ثم خلطوا جيدا حتى اختلط الجميع بعضهم ببعض. فحينها يكون المشتبه بهم في هذا الموضوع هم الذين استفادوا من تلك القضية.
ولذلك ينبغي علينا أن نأخذ القضاء المحايد العادل بعين الاعتبار، لا أن نستمع لكلام الساسة.
مجتمعنا تراجع بسبب العمليات المثيرة منذ سنوات عديدة. فقد أصبحنا نستيقظ كل يوم لنسمع بعملية جديدة. فاليوم نُفِّذت عملية بحق مجموعة إيبك. فهل سنشهد غدا تنفيذ مثل هذه العملية على مجموعة دوغان، أو صحيفة جمهوريت، أو مجموعة سامانيولو؟ ثم يخرج علينا أحدهم ليقول: “لقد خُدعنا” ليبرئ نفسه من تلك الحملات والقضايا. كفاكم استهزاء بعقول الناس.
كما أن هناك كثيرا من الناس المعتقلين منذ عام تقريبا، ومع ذلك لم يُقدَّم دليل واحد على وجود تنظيم إرهابي مسلح. علما بأننا تابعنا محاكمة شبكتي أرجينكون وباليوز وموقع (oda tv). وقد شاهدنا الظلم الذي مورس على ضباط من القوات المسلحة، والصحافة، والمحامين،والمدرسين، وضباط من الشرطة. إن مشاهدة هذا الظلم في صمت والتصفيق له الظلم هو ظلم آخر وقد يكون سببا لزيادة واستمرار الظلم. ومن يتعرض للظلم عليه أن يتوخى المزيد من الحذر في كل خطوة يخطوها أو في تصرفه إزاء ما يجري حوله من أحداث. وثمة قرارات صادرة عن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية حول هذا الموضوع. فالنظام الوحيد الذي تعترف به مذكرة حقوق الإنسان الأوروبية هو نظام المجتمع الديمقراطي. ولا بد من وجود صحافة حرة في نظام المجتمع الديمقراطي. لذا لا يمكن الحديث عن وجود ديمقراطية في مجتمع يحدُّ فيه من حرية الصحافة. وكما يقال: “الديمقراطية تنهار عندما يُحدُّ من حرية الصحافة”. ولذلك فإن حرية الصحافة والتعبير تُعتبر الشرط الأساسي الذي لا بد منه في الديمقراطية. فالعملية التي شهدناها اليوم تهدف إلى الحد من حرية الصحافة. فكل الكتّاب الصحفيين ووسائل الإعلام في حالة قلق. ولا أحد يشعر بالأمان. وماذا عسانا أن نفعل إن صمت هذا الإعلام؟
وما يحزنني هو تغييب الأجيال الصاعدة في تركيا. سنعيش هذه الأحداث، وسنتجاوزها. وسنتعلم كيف نحترم بعضنا بعضا. فأنا لست مضطرا لأفكر على نمطكم، ولا أنتم مضطرون للتفكير مثلي. ولكن إن تعرضتم أنتم لظلم بسبب أفكاركم، فإن ذلك الظلم يعني الجميع. وذلك لكون حرية التفكير والتعبير ضمانا لنا جميعا.
وإنني أراقب أسباب سخطهم. والعالم كله اليوم يتابع الأحداث الوحشية التي يشهدها الشرق الأوسط. حيث إن الحروب الوحشية تهدم دولا بحالها. ولا أحد يقف في وجه الإرهابيين من قاطعي الرؤوس. وكثير من دول العالم ترى أن الحكومة في تركيا تتعاطف مع تنظيم داعش الإرهابي، ولذلك فقد أصبحت تركيا دولة فوضوية بعيدة عن مصاف الدول الأوروبية. إذ إن أحد المدعين العموم أمر قوات الدرك بإيقاف الشاحنات الممتلئة بالأسلحة والذخائر المتوجهة إلى داعش، وحينها انتشر خبر هذه الفضيحة. فنحن من أين علمنا بهذه الفضيحة؟ من جريدة” جمهوريت”.. ولو لم نعلم بهذه الفضيحة، فمن أين كنا سنعلم بالأعمال التي ينفذها المسؤولون؟ وعلى أي أساس سندلي بأصواتنا الانتخابية عندما نتوجه إلى صناديق الاقتراع؟ إذن يجب أن نعلم بالأعمال التي ينفذها المسؤولون قبل أن ننتخبهم. فإن كان ما حدث خبرا كاذبا، فإنه يستوجب العقوبة. لكنكم تقولون إنه خبر كاذب، وفي الوقت نفسه تقولون إنه من أسرار الدولة. فإن كان سرا من أسرار الدولة فذلك أمر وخيم. إذن فالخبر صحيح! فإن كنتم تحققون في الأمر بسبب الكشف عن سر من أسرار الدولة، فذلك يعني أنكم ترسلون راجمات صواريخ وذخائر إلى داعش. فإلى أين ترسلونها؟ أنا كمواطن من حقي أن أعلم ذلك. فأنتم تسجنون المدعي العام ورجال الدرك الذين كشفوا الفضيحة من جهة، وتعاقبون وتهددون الجرائد التي نشرت الخبر من جهة أخرى.
إننا هنا لا نتحدث عن وجود الديمقراطية، بل نتحدث عن وجود نظام استبدادي سيئ. فهذه الأحداث مرفوضة تماما في نظام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية. إذ إن مذكرة حقوق الإنسان الأوروبية تُعنى بالمجتمعات ذات النظام الديمقراطي. لذا ينبغي عليكم الالتزام بأدنى متطلبات الديمقراطية. ولا يمكنكم أن تنتهكوا أبسط الأحكام الأساسية التي تنص عليها محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، ثم تقولون إننا جزء من أوروبا. كما أن الاستمرار باستهداف الصحفيين عن طريق التحقيقات يُعد انتهاكا لقرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية. فأين هي أدنى معايير هذه المحكمة؟ وأين هي المعايير التي تضمن لنا حق العيش؟ كلها تحت الأرض!
وها أنذا أخاطب المجتمع: لا يجوز أن ندخل في مثل هذه النزاعات. فنحن لسنا أعداء. ولا قيمة لمعرفة من هم الذين أدلوا بأصواتهم الانتخابية وفي صالح من كانت أصواتهم؟ يمكنكم ألا تحبونني، ويمكنهم ألا يحبونكم، فليست هذه هي المسألة. حيث إننا نعيش في هذا المجتمع. ولا يمكن لأحد أن يتجاهل الآخر. فنحن مضطرون للعيش معا ضمن علاقات طيبة للغاية، وفي ظل الحد الأدنى من المتطلبات. علما بأن المواطن أطلق تحذيره في انتخابات 7 يونيو/حزيران. وأسأل الله ألا يحرم أحدا من أصدقاء ينوهون إلى أخطائه، وألا يختم على قلب أحد ويصم أذنيه عن سماع الحق، وألا يُغيِّب ضميره. فالأمر ليس عبارة عن قانون فحسب. فثمة قانون الإنسانية أيضا. كما أن هناك ما يُسمى بأكل حقوق العباد. ومهما بلغت الرفاهية التي يعيشونها فإنهم يذوقون مرارة جهنم في دنياهم هذه أيضا. في حين أن ديننا ينص على العشرة الطيبة فيما بيننا، وأن نلقي السلام بعضنا على بعض. فنحن لسنا أعداء. وحتى لو تطلع أحدهم إلى تمزيق صفوفنا من خلال الأصوات الانتخابية التي ندلي بها، فإنني أكرر رغبتي في العيش إلى جانب كل المواطنين الذين يخالفونني الرأي ويصوتون لغير الحزب الذي أصوت له.