أوغوز كاراموك – صحيفة ميدان
كان هناك 16 ألف شخص يعملون في مؤسسات بنك آسيا ومجموعتي ” كوزا –إيبك” و”كايناك” القابضتين التي استولت عليها الحكومة. وبحساب عدد أفراد عائلاتهم يصل هذا العدد إلى 65 ألف شخص ومع الذين يتعاملون معهم يصل إلى 200 ألف شخص. وبالتالي فإن كل هؤلاء حُرموا من أعمالهم ورواتبهم وحقوقهم.
ولا يمكن تبرير ما حدث قانونياً أو سياسياً. فهم لا يقولون سوى عبارة: “لقد فزنا في الانتخابات، ونحن أكثر منكم أنصاراً”. وهذه الذريعة نفس الذريعة التي تتكئ عليها إسرائيل لممارسة العنف والظلم على الفلسطينيين.
السؤال ذاته يُطرح دوماً في الأيام الأخيرة: كيف تصادر الحكومة هذه الشركات؟ وما هي التداعيات التي ستنعكس على الاقتصاد؟ ونحن ملزمون بتقييم هذا من الناحية الاقتصادية لأنه اختصاصنا. في الحقيقة كتبنا كثيراً من المقالات حول هذا الموضوع. حيث ذكرنا أن مثل هذه المصادرات غير واردة في إطار المنطق والقوانين. ولكنها لا تزال مستمرة. ونحن أمام كيان يستغل قوته التي حصل عليها من صناديق الاقتراع دون الالتزام بأي قانون أو قاعدة. ومع الأسف نطلق على هذا الكيان اسم “الدولة”.
تتحقق مقولة “إن أكبر مافيا هي الدولة”
إن مسؤولي الدولة اليوم لا يأبهون حتى بالقوانين التي يسنوها بأنفسهم، ويفعلون ما يحلو لهم دون حسيب أو رقيب، فيقتحمون تعسفياً الشركات التي أسسها رجال أعمال مقربون من حركة الخدمة واحدةً تلو الأخرى. وكانت البداية مع بنك آسيا، ثم شركات مجموعة كوزا – إيبك القابضة، بما فيها مؤسسات إعلامية، وأخيرا شركات مجموعة كايناك القابضة التي تضمّ 21 شركة. ومن ثمّ خرجت الأموال التي تُقدّر بالمليارات واكتسبت على مدى سنوات عن سيطرة أصحابها بلحظة واحدة، إذ نهبتها الدولة التي هي في حقيقتها عبارة عن كيان متمثل في بعض المسؤولين والموالين لهم.
اغتصاب حقوق 200 ألف شخص
بغضّ النظر عن الأموال والشركات ورجال الأعمال، فقد كان يعمل 3000 موظف في بنك آسيا، و5000 في مجموعة كوزا – إيبك، و8000 في مجموعة كايناك قبل سلبها من أصحابها. ويصل عدد هؤلاء الموظفين مع أفراد عائلاتهم إلى 65 ألف شخص، ومع الذين يتعاملون معهم إلى 200 ألف شخص. فقد تم تجريد هذا الكمّ الهائل من الناس من أعمالهم وأرزاقهم وحقوقهم، وتابع الجميع أخبار حرمان العاملين في هذه الشركات من حقوقهم عبر وسائل الإعلام غير الموالية للحكومة. فضلا عن تسريح العاملين لدى هذه الشركات، فإنهم لم يتمكّنوا من الحصول على مستحقاتهم وتعويضاتهم لقاء سنوات خدمتهم فيها لرفض ذلك من قبل الأوصياء المعينون عليها.
فساد مؤسسات الدولة وانهيارها
نرى أن المشكلة في تركيا ليست ناجمة فقط عن الفوضى بين السلطات الخارجية التي تشكل الدولة وهي السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية. إذ يبدو أن التنظيم الداخلي للدولة، أي طريقة عمل مؤسساتها، تعاني من تدهور كبير. كما يظهر أن التدهور وصل إلى السلطات المنفذة للقوانين (الشرطة والجيش) وأجهزة الشرطة المالية (الخزانة والمالية) وهي السلطات الأساسية التي تعمل بها الدولة. وإذا ما دققتم النظر لوجدتم أن الشركات المصادرَة في إطار عمليات”الكيان الموازي” المزعوم لم تنتهك أياً من القوانين المالية التي وضعتها الدولة. ومن المعلوم أيضاً أن وزارة المالية قامت بمراقبة دقيقة وتفتيش دقيق لهذه الشركات، فلم تظهر أية مشكلة فيها. حتى إننا رأينا أن التقرير الذي اتخذوه أساساً لاغتصاب مجموعة إيبك يعتبر عدم وجود أي خطأ ونقص في شركات إيبك أمرا مثيراً للشبهات ويطالب بمصادرتها.
على الرغم من الاعتراف بنزاهة الشركات، فإنهم صادروها بشكل تعسفي ضاربين بالقانون عرض الحائط، على الرغم من وضع الدولة في مثار الشك ومرمى الاتهامات. وهذا مثال مهم على ابتعاد العقلية التي تدير الدولة عن العقل والمنطق.
لم تصادَر حتى أموال التنظيمات الإرهابية التي أراقت دماء الأبرياء
غني عن البيان أن هذه الإجراءات والعمليات التي تزعم السلطة الحاكمة أنها تنفذها في إطار مكافحتها للإرهاب، لا تمتّ بصلة إلى تسوية مشكلة أمنية، بل إنها تحمل رغبة دفينة في الاستيلاء على أموال شريحة تَعتبرها منافسة لها. لماذا نقول هكذا؟ لأنه لا يوجد أحد صوردت أمواله في تركيا ضمن إطار مكافحة الإرهاب. فهل سمعتم بشخص صودرت أمواله بتهمة الانتماء لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، أو جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري، أو تنظيم داعش؟ أنا شخصيا لم أسمع بذلك، لأنه لم يحدث شيء من هذا القبيل. وطبعاً يجب علينا أن نقول بأنه لا يمكن أن نضمن عدم تعرض أية شريحة أو شركة أخرى لمثل هذه المعاملة بعد اليوم. بل إن أنصار العدالة والتنمية يلمّحون ويشيرون إلى أن الدور قادم على مجموعات أخرى، ما يعني أن كل من لم يرضخ للعدالة والتنمية فإن أمواله في خطر.
16 ألف عامل في 3 شركات
ثمة 8053 عاملاً، و23 شركة في 16 مجالا مختلفا، و100 ماركة مشهورة، ضمن مجموعة كايناك القابضة المغتصبة من قبل السلطة الحاكمة. وكان يعمل لدى بنك آسيا 3000 عامل قبل استيلاء الحكومة على إدارته من قبلُ. بينما مجموعة كوزا- إيبك كان يعمل فيها 5000 شخص، وكان هنالك أيضاً 16 شركة إعلامية تمارس أنشطتها الإعلامية في هذه المجموعة.
ولا شكّ في أن الجميع بمن فيهم المسؤولون، سيدفعون ثمن الظلم والجرائم التي ارتكبوها على مرأى ومسمع من الناس عندما سيعود القانون إلى البلد مجدّداً، فضلاً عن المحاسبة يوم تبلى السرائر أمام رب العالمين.