جنكيز تشاندار- راديكال
كان من الواضح أن حادثة إسقاط تركيا للطائرة الروسية هو ميلاد جديد وبداية جديدة في عدة قضايا.حيث لم يكن هناك مثال واحد حول إسقاط أحد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) طائرة روسية.
لقد استمعت جيداً إلى كلمات قائدين مهمين بالحلف وهما باراك أوباما وفرانسوا هولاند خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في العاصمة الأمريكية واشنطن عقب ساعات من الحادثة.كانت ردود الفعل الأولية لأوباما عن الحادثة ملفتة، فقد كان أول سؤال وجه إليه متعلقاً بحادثة سقوط الطائرة الروسية. وبدون أي تغير في معالم وجهه وبنبرة جافة وبلغة سهلة وواضحة قال:”لتركيا الحق في الدفاع عن نفسها”.
بالطبع لتركيا ولكل دولة في العالم الحق في الدفاع عن نفسها، لكن القضية هنا تكمن في “هل أوباما، المعارض لروسيا، عازم على تنفيذ الناتو لمسؤولياته إذا تطلب الأمر فيما يتعلق بحماية تركيا لأراضيها؟”.نرى أن المسؤولين الأتراك هم من يسعون منذ أسبوع خلف القادة الروس لخفض حدة التوتر. وكان بوتين وفريقه هم من لا يتنازلون ويعارضون كل الجهود المشابهة لهذا، ويرفضون التراجع ويرفعون وتيرة التوتر يوماً بعد يوم.
وفور سماعي بنبأ إسقاط الطائرة أول ما تبادر إلى ذهني كان” من قام بهذا؟ من أصدر هذا القرار؟ ولماذا سلك هذا الطريق”؟ ولا تزال هذه الأسئلة تدور في ذهني بشكل أقوى بعد تصريحاتِ كل من أردوغان بأنهم لم يكونوا على علم بهوية الطائرة ونائبِ رئيس الوزراء نعمان كورتولموش بأنهم ماكانوا ليسقطوا الطائرة لو كانوا يعلمون بأنها روسية، وظهورِ انطباع بأن أردوغان يشعر بالقلق تجاه الحادثة.
إسقاط الطائرة الروسية لا يمكن تفسيره ضمن قواعد الاشتباك
لم أقتنع أبداً بتبرير الحادثة بأنه تم إسقاط الطائرة لاختراقها المجال الجوي وفقاً لقواعد الاشتباك المعلنة. يمكنني القول إن العقلية التقليدية لرئاسة الأركان التركية لن تُقْدم على إسقاط طائرة روسية دون محاولة اللجوء إلى سبل أخرى بالنظر إلى الحساسية التي يبديها العسكريون عندما يتعلق الأمر بروسيا.
عندما أنظر إلى تصريح أوباما بأن لتركيا الحق في الدفاع عن نفسها بنغمة جافة تماماً، وبدون أي تغيير في ملامح وجهه، ودون إعطاء أية معلومات بشأن مدى دعم أمريكا والناتو لتركيا في هذه الأزمة، وتضحيةِ الاتحاد الأوروبي بجميع مبادئه في بروكسل للسياسة الواقعية وتعيينه تركيا “الحارس الحدودي لدول أوروبا” لمنع تدفق لاجئي الشرق الأوسط مقابل ثلاثة مليارات دولار، انطلاقاً من مبدأ “تحمّل الضرر المحدود في مسألة ستأتي بمنافع كبرى”، أرى أنه من الضروري أن يكون هناك “مغزىً آخر” يكمن وراء إسقاط الطائرة الروسية.
فبعد أن بدأ يترسخ في الذهن الغربي أن الإدارة التركية “الإسلامية” تغازل داعش ومختلف العناصر السلفية في سوريا، ويتشكّل انطباع بأنها أخذت تسلك طريقاً “مستقلاً” في السياسة الخارجية… أتساءل هل رأى المعسكر الغربي بقيادة أمريكا ضرورة إقحام تركيا في أزمة مع روسيا من أجل إجبارها على البقاء ضمن “النظام الغربي” انطلاقاً من الأسباب التاريخية والجيوسياسية؟
يلاحظ الجميع أن إدارة أردوغان باتت في أمسّ الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى أمريكا والاتحاد الأوروبي، بحيث بدأت تقدم صورة تبدو فيها وكأنها “متمسكة بذيل تنورة الغرب”.
أيمكن أن يكون هناك “مغزىً” من هذا النوع وراء إسقاط الطائرة الروسية؟