بقلم: عبد الله عبد الهادي المقاطي
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ أن شع نور الرسالة المحمدية الخالدة وبدأ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يصدع في الناس بما أمره الله تعالى من وحي يحيي القلوب التي أماتها الجهل والشرك والبعد عن الله تعالى، بدأ الإنسان سليم الفطرة يستجيب لهذه الدعوة، فأخذ هذا الدين ينتشر في قلوب الرجال والنساء، الصغار والكبار، وترجموه عملاً بجوارحهم التي لا تعبر إلا عن سعادتهم وفرحهم بهداية الله لهم لهذا الدين العظيم .
ولم يفتأ أعوان الشيطان الذين أبوا إلا أن يستمروا على ملة آبائهم وأجدادهم في محاربة نبينا صلى الله عليه وسلم ودعوته المباركة بشتى الوسائل والأساليب التي حكى القرآن الكريم والسنة الطاهرة بعضاً منها مثل: التكذيب والسخرية والاستهزاء والاتهامات الباطلة _كالسحر والجنون_ وكذلك الكهانة والمساومات المغرية .
والتعذيب والتشويش وبث الدعايات المضللة!!
ولا زال أعداء الدعوة المحمدية في كل زمان ينهجون نهج أسلافهم في محاربة الدعوة والعلماء والمصلحين،ـ ولأننا في زمن سهل فيه سرعة وصول الصوت، سواء كان حقا أم باطلا، من خلال وسائل الإعلام المختلفة، أصبح أعداء الدعوة ينشرون من خلالها هذه الوسائل والأساليب لمحاربة الحق وأهله.
لقد استخدم القوم أسلوب التشويش وبثّ الدعايات الشيطانية مع الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي_ رضي الله عنه_ الذي طالعتنا قصة إسلامه العديد من الدروس والعبر .
فلقد قدم مكة وهو رجل ذو مكانة في قومه، وشاعر فصيح، فاستقبله رجالات قريش المعادين لدعوة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالتحذير والتخويف من الاستماع لصوت النبوة، فها هو يروي لنا كيف أسلم فيقول: كنت رجلاً شاعراً سيداً في قومي فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش فقالوا: يا طفيل: إنك امرؤ شاعر سيد مطاع في قومك، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل، فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر، فاحذره أن يُدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا وعلى قومنا، فإنه يفرق بين المرء وابنه وبين المرء وزوجه وبين المرء وأبيه. فوالله ما زالوا يحدثونني في شأنه وينهونني أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا سادّ أذني .
قال: فعمدت إلى أذني فحشوتهما كرسفاً ثم غدوت إلى المسجد فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائماً في المسجد قال: فقمت منه قريباً وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. قال: فقلت في نفسي: والله إن هذا لعجز، والله إني امرؤ ثبت، ما يخفى علي من الأمور حسنها ولا قبيحها، والله لأستمعن منه، فإن كان أمره رشداً أخذت منه، وإن كان غير ذلك اجتنبته، فقلت بالكرسفة فنزعتها من أذني!! فألقيتها ثم استمعت له، فلم أسمع كلاماً قط أحسن من كلام يتكلم به. قال: قلت في نفسي يا سبحان الله؟ ما سمعت كاليوم لفظاً أحسن منه ولا أجمل. قال: ثم انتظرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى انصرف فاتبعته فدخلت معه بيته فقلت له: يا محمد إن قومك جاؤوني فقالوا كذا وكذا، فأخبرته بالذي قالوا وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، وإني شاعر فاسمع ما أقول. فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: هات. فأنشدته. فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: وأنا أقول فاسمع. ثم قرأ القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه، فأسلمت.
ومن أبرز فوائد هذه القصة :
1- حرص أعداء الدعوة على صدّ الناس عن اتباعها بشتى الوسائل .
2- تركيزهم على المؤثرين في المجتمع، فلما علموا مكانة الطفيل بن عمرو في قومه استقبلوه واستهدفوه بأباطيلهم وتشويشهم على نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، وذلك لكي لا يسلم وتسلم قبيلته من بعده.
3- إنه من الخطأ أن يصدق المسلم كل ما يسمع، وخاصة ما يتعلق بالمدح أو الذم، لأن المجتمع لا يخلو ممن يستخدم هواه في مدحه وذمه للآخرين، ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي يجد فيها كثيراً من هؤلاء المتسرعين في المدح أو الذم .
4- أن يحذر المسلم من أهل الأهواء الذين يقلبون الحقائق ويجعلون من الحق باطلاً ومن الباطل حقاً من خلال تشويشهم وبث دعاياتهم المضللة، لذلك حكم هذا الصحابي الجليل عقله وقرر أن يستمع بنفسه من النبي صلى الله عليه وسلم كما استمع عنه.
5- التثبت عند سماع الأخبار وشعار المسلم في هذا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.)
6- كم نحن بحاجة وخاصة في هذا الزمن بأن ننزع من آذاننا القطن الذي وضع في آذاننا تجاه علماء ودعاتنا بسبب ما يحاك حولهم، ونسمع منهم ونقرأ من كتبهم لكي تتضح لنا الحقائق .
7- لقد أراد القوم بهذا الصحابي الجليل أمراً وأراد الله أمراً آخر، وإرادة الله فوق إرادة المبطلين المضللين، وفي هذا مواساة لمن يسير في طريق الحق بأن الله ناصره ومظهر الحق الذي معه مهما تنوعت وسائل وأساليب المغرضين .
أسأل الله العظيم الكريم عالم الغيب والشهادة أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرينا اجتنابه، وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم، وأن يوحد صفنا ويجمع شملنا ويرزقنا جناته جنات النعيم .