أ.د. محمود أكبينار
سافر بيروقراطي تركي في مهمة رسمية إلى إيران. قُرع بابه في أول ليلة له في الفندق. وعندما فتح باب الغرفة، وجد أمامه امرأة تقول له “أرغب في الزواج منك”، فتعجب كثيرًا، ورفض عرضها بعدما أخبرها أنه متزوج. وبعد خمس دقائق طرقت المرأة نفسها باب غرفة البيروقراطي لتعرض عليه العرض ذاته، فبادر الرجل إلى إبعادها عن غرفته بعدما أبلغها بأنه متزوج ولديه أبناء. وجاءت المرأة مرة ثالثة لتقرع باب غرفة الرجل بعدها بدقائق. وقالت له هذه المرة – وعيناها تملأهما الدموع – إنها ترغب في الزواج منه، وأن أحدهم يرغمها على تنفيذ هذا الأمر. ولكن البيروقراطي نجح في الخلاص من هذه المصيدة، لكن ماذا كان يمكن أن يحدث له إذا قَبِل عرض تلك المرأة؟
وليُجِبْ على هذا السؤال ما عاشه رجل أعمال وافق على عرض كهذا. فبعد عام من نكاح المتعة الذي قام به رجل الأعمال هذا، تلقّى اتصالًا هاتفيًا من محامٍ إيراني قال له “مبارك عليك، لقد أصبحت أبًا!”. ويطلب هذا المحامي من رجل الأعمال أن يترك ثلث ثروته لهذا الطفل، وإلا “سينشر مقاطع الفيديو والصور الخاصة بهذا النكاح في الأسواق”.
وينقل لنا هذه النماذج الأستاذ الدكتور “محمود أقبينار”، عضو هيئة التدريس في جامعة “تورغوت أوزال” بالعاصمة التركية أنقرة، ويقول إن بعض وحدات المخابرات تستخدم الجنس كأداة سياسية. وتعتبر إيران من أكثر البلدان استخدامًا لهذا السلاح الذي اشتهر في العالم الإسلامي باسم “سلاح المتعة”.
ويرى أقبينار أن إيران أسّست سياستها الخارجية على تقييد الدول الإسلامية وتشكيل مناطق نفوذ عليها. وقد تمخّض عن هذا الطموح إيجادُ عناصر مؤثِّرة في هذه البلدان، والسعيُ وراء التحكّم بسياستها وتوجيهها لتحقيق المصالح الإيرانية. ولهذا السبب أيضًا فإن إيران تستخدم “نكاح المتعة” للوصول إلى مبتغاها. وللأسف فإن هذا النوع من النكاح غير الشرعي يأخذ طابعًا أخطر من الزنى؛ ذلك أن عناصر المخابرات الإيرانية تعتمد على إقناع ضحاياها في بادئ الأمر بأن نكاح المتعة موجود ومعترف به في الدين الإسلامي.
ويمكن حتى لإنسان متديّن، لا يقع أبدًا في الزنى، أن يعجب بهذا النوع من النكاح المستتر خلف مفاهيم دينية. ويشرح لنا أقبينار كيف تستغلّ المخابرات الإيرانية الذين يقعون ضحايا في هذه المصيدة، فيقول “نفهم أن هؤلاء الأشخاص يرتبطون بإيران، ويقعون تحت سيطرتها، ولا يستطيعون بعد ذلك الدفاع عن مصالح بلدانهم. علاوة على أننا نرى أن الأشخاص العاملين في وحدات هامة بالدولة ينقلون بشكل منتظم المعلومات لهذه العناصر الاستخباراتية. وعلى سبيل المثال، حدثت بعض العمليات في تركيا في هذا الشأن في الفترة بين عامي 2010 – 2013. وعثرت الفرق الأمنية مع النساء المقبوض عليهنّ على تسجيلات مصورة وصور خاصة ببعض رجال الأعمال والبيروقراطيين الذين سقطوا في فخ نكاح المتعة. واتضح أن هؤلاء النسوة على صلة بالحرس الثوري الإيراني”.
عقدت مجلة “يني أوميت” (الأمل الجديد) التركية قبل أيام ندوة بعنوان “حماية الأسرة وفتنة نكاح المتعة” بهدف توضيح أبعاد خطورة هذه المسألة. وقد اتفق جميع العلماء المشاركين في الندوة على أن نكاح المتعة ما هو إلا زنى، لافتين إلى خطورة نتائج هذا الفعل.
ويقول البروفيسور “خليل إبراهيم بولوط” إن نكاح المتعة محرَّم لدى جميع المدارس الفقهية والسياسية – الاعتقادية والصوفية عند أهل السُنّة والجماعة. كما أن الشيعة الزيدية والإسماعيلية لا تجيز هذا النكاح. حتى إن مذاهب مثل النصيرية والدرزية والبهائية يعتبرون هذا النكاح مخالفًا للشرع. ولا يبيح هذا النكاح سوى شيعة إيران المعروفين بـ”الإمامية الاثني عشرية أو الرافضة”.
وإذا نظرنا إلى خصائص نكاح المتعة نجد أن من الواضح جدًا أنه يشبه الزنى مقابل المال. والفارق الوحيد بينهما هو استغلال نكاح المتعة في غلاف ديني. ويُعقد هذا النكاح المؤقت باتفاق الرجل والمرأة على المقابل المادي والمدة. وبحسب ما ينقل عن أئمة الشيعة؛ فإن المرأة يكفيها حفنة من القمح أو تمرة أو قليل من الطحين أو فرشاة أسنان / سواك حتى تؤجِّر جسدها لمن يريد. وأما فيما يخص مدة هذا النكاح فلا حدّ لها. ويمكن عقد النكاح لمدة دقيقة واحدة، كما يمكن عقده لخمسين عامًا. والرجل هو الطرف المحدِّد لمدة العقد. وينتهي هذا الزواج الزائف بانتهاء المدة المحدَّدة له. ولا يضع المُلّات في إيران حدًّا معينًا لعدد النساء في نكاح المتعة؛ إذ يستطيع الرجل الواحد أن يعقد نكاح المتعة على ألف امرأة في الوقت نفسه. كما يضع علماء الدين الشيعة شرطًا يوجب توافر الشهود وموافقة ولي أمر المرأة (حتى وإن كان والد من ستتزوج سُنّياً لا يؤمن بصحة زواج المتعة). ولا يلزِم هذا الزواج الرجلَ بتحمل المسؤولية المادية للمرأة. كما لا يحق للمرأة أن ترث زوجها عند وفاته أو تحصل على نفقة إذا طلقها.
وبالرغم من تناول القرآن الكريم لمسألة الزواج بشكل تفصيلي، فإنه لم يُشِر قَطّ إلى نكاح المتعة. لكن هناك آية قرآنية يعتمد عليها من يدافع عن جوازه من الشيعة، وهي “… فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً…” (النساء – 24). ويقول البروفيسور “صفّت كوسه” إن هذه الآية ليس لها أدنى علاقة بنكاح المتعة، موضحًا أن الآية تعتبر من ضمن الآيات المبيِّنة لأحكام المهر. ذلك أننا إذا تناولنا الآيات 24 و25 و26 من سورة النساء في سياق واحد، يظهر جليًّا أن القرآن الكريم يتحدث عن الزواج المعروف لدى الجميع، وليس عن نكاح المتعة. وفي الواقع فإن الآية 25 من سورة النساء توصي بالصبر لمن لا يستطيع نكاح النساء المؤمنات من أصحاب المهور الغالية، وأما من لا يستطيع الصبر فتوصيه بنكاح الجاريات المؤمنات. ويضع القرآن الكريم شرط الحصول على موافقة ولي الفتاة أيضًا قبل نكاحها بهذه الطريقة. ويضيف البروفيسور كوسه بقوله “إن نكاح المتعة ليس زواجًا صحيحًا، كما أنه لا يدخل في نطاق نكاح ملكات اليمين. وهو لا يضع شروط الزواج الصحيح، فضلًا عن أنه لا يتمخض عنه نتائجه”.
ويسوق فقهاء الشيعة ادعاءً آخر حول جواز نكاح المتعة، وهو أن هذا النكاح كان مباحًا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأن الخليفة عمر بن الخطاب هو الذي حرّمه. وكان زواج المتعة من العادات الجاهلية التي لم تحظر في السنوات الأولى للإسلام. وأما أصل هذه العادة فهي الثقافة الساسانية الفارسية؛ إذ انتشرت العقيدة المزدكية، التي ترى المرأة مِلكًا مشتركًا، بين العرب إلى أن أصبحت هذه العادة من عاداتهم.
ويُروى أن سيدنا عمر قال “امنعوا نكاح المتعة بعد الآن! وإذا جاءوني بأحدهم يمارس هذا النكاح، أقسم أن أرجمه”. ويزعم الشيعة – اعتمادًا على هذه الروايات – أن الخليفة عمر هو الذي حظر نكاح المتعة. بيد أنه لا يمكن لسيدنا عمر أن يمنع شيئًا أقرّه الرسول – عليه الصلاة والسلام – وسمح بفعله. وحتى وإن حدث ذلك، فمن المستحيل أن يصمت الصحابة الذين من بينهم علي بن أبي طالب أمام أمر كهذا.
ويلفت الأستاذ “فتح الله كولن” إلى أن هناك بعض البلدان التي طوّرت نظام الزنى تحت عباءة نكاح المتعة، ملمحًا إلى أن هذه البلدان استغلّت نظام الفجور هذا دائمًا في سبيل صيد بعض الأشخاص وجعلهم تابعين لها عبر هذا النظام الرامي لانحطاط المجتمع. ويضيف أن الكثير من الأشخاص – الذين كان من بينهم كذلك العلماء – سقطوا في الفخاخ من خلال هذا الطريق.