إسطنبول (الزمان التركية): سؤال: في هذه الأيام تركيا تمر بظروف صعبة. وبسبب هذه الظروف الصعبة يقع البعض في حالة من اليأس. برأيكم، كيف تخرج تركيا من الأزمة الحالية؟
ج: في مثل هذه الفترات، يجب اللجوء إلى المولى سبحانه وتعالى، وطرْقُ بابه، والتضرعُ إليه. فمَن لا يخشى عاقبتَه، يُخشَى من عاقبته. إن الذين يحسبون أنفسهم قد ضمنوا آخرتهم واطمأنوا إلى عاقبتهم بينما يشككون في إيمان غيرهم، إن هؤلاء قد أوقعوا أنفسهم في خطر كبير. فسيدنا عمر (ض) كان يرتجف خوفًا على عاقبته، وعندما كان يوازن بين حسناته وسيئاته كان يقول “وددتُ أني سلِمتُ من الخلافة كَفافًا، لا عليّ ولا لي”. نحن أيضًا، خصوصًا في آخر الزمان، ينبغي أن نرتجف قلقاً عندما نفكر في عاقبتنا؛ يجب أن نستغيث بعنايته وبرحمته سبحانه وتعالى ونقول: “خذ بيدي يا رب، وإلا فسوف أهلك”. أجل، إن الإيمان والتوكل ليسا ملاذاً للفرد فقط، بل للمجتمعات كذلك. وإن الذين يبتعدون عن ذلك الملاذ، تَسحقهم أنانيتهم سحقا، لا سمح الله.
إن تركيا اليوم في أمسّ الحاجة إلى مناخ جديد يساعدها على اجتياز الأزمة التي تعاني منها. وإنه لمن الضروري جدًّا إعداد دستور مدني جديد يضمن الحقوق والحريات الأساسية للجميع. ومن أجل تحقيق هذا الغرض، يجب أن تزداد المطالبات المجتمعية، كما يجب على الشخصيات المسؤولة والمؤسسات المعنية أن تزيد من إلحاحها في إخراج دستور يتوافق مع مبادئ الحقوق العالمية. ولكن مع الأسف الشديد يبدو أن مبادئ الدولة الديمقراطية وسيادة القانون اليوم قد أصيبت بجروح بالغة. وإن العديد من المثقفين والمفكرين ذهبوا في تحليلاتهم إلى ما ذهبت إليه. وإذا ما ابتعدت تركيا عن جوهرها وقيمها الذاتية وعن مجتمعها، فإن ذلك سيؤدي بها إلى عزلة فادحة عن العالم.
إن دور الأفراد والمجتمعات اليوم، لا يقل أهمية عن دور الدولة نفسها. وإنه لمن المستحيل أن تنفذوا مشروعًا بالإكراه من أعلى بتلقين فوقيّ أو بضغط سلطوي. ففي بداية القرن العشرين كان الأستاذ بديع الزمان يقول: “إن الظهور على المدنيّين والمثقّفين إنما هو بالإقناع وليس بالضغط والإجبار”. ومن ثم فإن الضغوطات التي تمارَس على المجتمعات لا يمكن أن تثمر نتائج باقية. علينا أن نعالج المشاكل بصبر وتروٍّ ويقظة وتبصّر وفراسة.
أقول لإخواني إنكم إذا تعاملتم مع الأزمة الراهنة بالرزانة والجدية التي تليق بأدبكم، وصمدتم أمام العواصف صابرين متوكلين، فلا بد أن يحل اليوم الذي ينتصر فيه العقل السليم. وحينئذ سيأتيكم بعضهم نادمًا لأنه اقترف إثم الغيبة في حقكم، والبعض الآخر خجِلًا لأنه كان مع المتورطين في الافتراء عليكم، ولكنكم ستقولون لهم ﴿لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾، وستفتحون لهم قلوبكم على مصاريعها، ولن تتركوهم يشعرون بخجل الذنب الذي ارتكبوه. لقد حصل هذا في التاريخ مرارًا. فإذا ولّى أحدُهم ظهره إليكم وابتعد عنكم، ففعلتم مثله وسِرْتم في اتجاه معاكس له، فستتضاعف المسافة بينكم؛ ثم قد يأتي يوم تشعرون بمسيس الحاجة إلى الوفاق والاتفاق فيما بينكم، وتدركون بأنكم أخطأتم، لكنّ بُعد الشقة بينكم سيحول دون رغبتكم، وتنظرون فإذا بالأوان قد فات. ينبغي أن يكون شغلنا الشاغل -في هذه الفترة- أن نواصل في خدماتنا، وأن نزيد من سرعتنا، وألا نفكر بشيء آخر ونكتفي بالقول: “ستمضي هذه المحنة كما مضت شقيقاتها”. نعم، هذه هي قناعة هذا الفقير.