تقرير: يافوز أجار
أنقرة (الزمان التركية): اعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه “اختلط الحابل بالنابل” في العمليات المنفذة ضد أناسٍ يزعم أنهم ينتمون إلى حركة الخدمة، وذلك في إطار رده على أسئلة الصحفيين في طريق العودة من قمة مجموعة العشرين إلى البلاد.
فقد وجه أحد الصحفيين إلى أردوغان سؤلاً مفاده: “هناك من يقولون إن الكوادر السرية التابعة لمنظمة فتح الله كولن هي التي تحدد من يجب إقالتهم أو اعتقالهم في إطار تحقيقات مكافحة “منظمة فتح الله كولن الإرهابية”، وتبادر إلى إقالة أناسٍ لا علاقة لهم بالموضوع، ومن ثم تلك الكوادر هي التي تظل في مناصبها”.
وأجاب أردوغان على هذا السؤال قائلاً: “من الممكن أن يكون ما قاله هؤلاء الناس في هذا الصدد صحيحاً من زاويتهم. لكن الواقع هو أنه اختلط الحابل بالنابل فعلاً. فهناك من يسوقون افتراءات عشوائية رجاء أن تأتي في صالحهم. نعم إن بعضهم يفعلون هكذا. وهذا المنطق سائد خاصة في عالم الإعلام المكتوب والمرئي. فأنا أشاهد التليفزيونات كلما وجدتُ الفرصة، وأراها تقدم أحياناً تعليقات لا تمتّ بصلةٍ إلى الشخص الذي تتهمه. لكنها تلصق تلك الوصمة بذلك الشخص. وهذا ليس أمراً صحيحاً، بل يجب تجنُّب الوقوع في مثل هذه الأخطاء”.
إن هذه التصريحات التي تصدُر من شخصٍ يشغل أعلى منصبٍ في الدولة أثارت عديداً من التساؤلات حول الجهة أو الكوادر التي تقف وراء عمليات الكراهية التي توجه منذ أكثر من ثلاث سنوات ضد أناسٍ يدعى أنهم منتمون إلى حركة الخدمة، والتي كسبت زخماً جديداً عقب اتهام أردوغان الأستاذ فتح الله كولن بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة.
وكان الأستاذ كولن قال في تصريحاتٍ لقناة العربية “إن بعض القوميين المتطرفين هم من يقفون وراء هذه الأحداث. وكانت السلطة على علمٍ مسبق بها، بدليل الموقف الذي سارعت إلى إبدائه ليلة الانقلاب. وهناك حديث حول ضلوع القيادي اليساري المتطرف دوغو برينتشاك في هذه الأحداث”.
وكان دوغو برينتشاك الذي حكم عليه في إطار قضية أرجينيكون؛ الدولة العميقة في تركيا، ثم حصل على براءة الذمة من المحكمة بوساطة أردوغان بعد ظهور فضائح الفساد الشهيرة، أكّد أنهم تمكنوا من القضاء على حركة الخدمة وإعادة تركيا إلى جذورها الكمالية الأتاتوركية، بعد إفشال الانقلاب بحيث لم تعد تشكل مصدر تهديد لتركيا، على حد قوله.
كما اعترف برينتشاك، الذي تصفه سجلاتُ المحكمة التركية المكلفة بالنظر في قضية أرجينيكون بـ”fabricator”، أيْ “صانع أحداث مزورة لإثارة الفوضى والبلبلة في البلد الذي يعيش فيه لصالح دولة أخرى”، بأن عمليات التصفية في صفوف الجيش التركي جرت وفق قوائم أعدها حزبه.
وسبق أن قال برينتشاك في تصريحات أدلى بها لمجلة “نقطة” الإخبارية الأسبوعية إن الرئيس أردوغان تم الاستيلاء عليه من جانب “القوى الوطنية”. وهو يقصد بعبارة “القوى الوطنية” قادة وأنصار التيار القومي العلماني المتشدد (Ulusalcılar)، الذين ينتمون إلى حزب الوطن (حزب العمال القديم) بصورة أساسية، والذين يعتبرون أنفسهم ورثة مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة.
وأعلن برينتشاك في حوارٍ أجراه معه موقع “روتا” الإخباري العام الماضي أنهم من وضعوا “مشروع القضاء على حركة الخدمة” وليس حزب العدالة الحاكم والرئيس أردوغان، وأكد أنهم يستهدفون القضاء على كل الجماعات الإسلامية أصلاً، لكن أولويتهم هي القضاء على حركة الخدمة. وشدّد على أن العمليات الأمنية، التي تستهدف الخدمة ومؤسساتها التعليمية والخيرية، يتمّ تنفيذها في إطار البرنامج الذي وضعوه. وأفاد بأن الرئيس أردوغان انضمّ إلى صفّه في مسألة فتح الله كولن، وأن أردوغان هو الذي تبنّى برنامجهم في هذا الصدد، وليسوا هم من ذهبوا إليه وتبنوا برنامجه.
وتابع برينتشاك: “إن أردوغان عندما جاء إلى سدة الحكم في البلاد لم يكن له كوادر مؤهلة في مؤسسات الدولة لإدارة الأمور، فعمد إلى الاستفادة من كوادر منظمة فتح الله كولن، وشرع في التعاون معها حتى أطلقت حملة ضدنا عبر فتح قضية تنظيم ما يسمونه “أرجينيكون”.. لكن بعد حدوث تغييرات جذرية في بنية جهاز القضاء تمّت تبرئة المتهمين في إطار قضايا مثل أرجينيكون وباليوز وجيتام (مخابرات الدرك).. حيث أتى أردوغان إلى النقطة التي نقف نحن فيها”.
وادعى برينتشاك في تلك التصريحات أن حزب العدالة والتنمية لا يتمتع بقوةٍ في جهاز القضاء، وأن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين يتألفون من أناس جمهوريين وقوميين وليسوا من أنصار العدالة والتنمية. وزعم أن أردوغان سيحاكَم في محكمة الديوان العليا وقال: “هناك مدعون عامّون وقضاة يتمتعون بالضمير والشجاعة التي تكفي لمحاكمة أردوغان في محكمة الديوان العليا.. ويكفي لمحاكمته أن يكون الرئيس المشارك في مشروع الشرق الأوسط للولايات المتحدة الأمريكية”، على حد قوله.
الجدير بالذكر أن الكاتب والمفكر المتخصص في الفكر الإسلامي والحركات الإصلاحية علي بولاج المعتقل حالياً في إطار تحقيقات الانقلاب الفاشل، كان قال بُعيد نشوب خلاف بين حركة الخدمة وأردوغان “إن مرحلة إنهاء الوصاية والدولة العميقة التي بدأت سنة 2002 انطلقت اليوم في الاتجاه المعاكس. وإن “البؤرة البيرقراطية العميقة” أو الدولة العميقة التي تدّعي ترتيب الكيان الموازي مؤامرة ضدها عبر قضايا أرجينيكون وباليوز وجيتام، تحيك اليوم “مؤامرة حقيقية” لكل الجماعات والحركات الإسلامية وبمهارة فذة. الهدف الأول هو “حركة الخدمة” باعتبارها لقمة صعبة، ثم يليها حزب العدالة والتنمية نفسه، ثم يعقبه الجماعات الإسلامية الأخرى واحدة تلوى الأخرى، باعتبارها لقمة سهلة. صدقوني، ولا يساورنكم أدنى شك في ذلك، فإنه سيتم أكل الثور الأصفر أولاً، ثم الثور الأبيض، ثم الثور الأسود”.
وجدير بالإشارة إلى أن يوسف كابلان؛ المفكر والكاتب بصحيفة يني شفق، الموالية للرئيس أردوغان ادعى اقتراب الموجة الثانية والثالثة لانقلاب الخامس عشر من يوليو/ تموز الماضي. إذ قال في مقاله يوم الاثنين الماضي “إن الكماليين والفصائل العلمانية التركية هم من سينفذون الهزات الارتدادية للانقلاب. وهذه المرة سيبدأ الكماليون والعلمانيون بمهاجمة كل الجماعات والحركات الدينية دون تمييز بينها. وهذه الموجة بدأت بالفعل بعد ليلة الانقلاب. وفي الموجة الثالثة ستصطدم الجماعات ببعضها البعض وستعمّ الفتنة والفساد في كل مكان. وبهذه الطريقة سينفر المجتمع من الإسلام بسبب النقاشات الحمقاء وسيرتمي في أحضان العلمانية”.
أليس اعتراف برينتشاك بأن جهازي الأمن والقضاء يخلوانِ من أي كوادر تابعة لأردوغان، وأن أعضاء المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين يتألفون من أناسٍ جمهوريين وقوميين يعطينا فكرة عمّن يقف وراء هذه العمليات وأحداث الانقلاب التي حولت تركيا إلى جحيمٍ وسجنٍ مفتوح للجميع.
فيا ترى هل سيقدم أردوغان في الأيام القادمة على قول: “أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض”؟! أم أنه لا يملك هذه الشجاعة على الاعتراف بعد كل ما فعل؟