تقرير: يوكسل جلبنار
أنقرة (الزمان التركية) – بات الرأي العام في المنطقة والعالم عاجزاً عن متابعة المواقف المتقلبة بشكل مستمر للسلطة الحاكمة في تركيا ووسائل الإعلام التابعة لها، حيث تغير مواقفها تبعاً لاتجاه الريح دون التزام بأي مبدأ، فتصف اليوم أمراً بالأبيض، ثم نراها بعد مدة قليلة وهي تصف الأمر ذاته بالأسود، ما يضع المتابع في حيرة من أمره.
وآخر الأمثلة على ذلك رأيناها أمس الاثنين عندما أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، بعد قطيعة دامت نحو عام بسبب إسقاط تركيا مقاتلة روسية بحجة اختراقها الأجواء التركية العام الماضي، حيث رأى الجميع الفرق الشاسع بين تصريحات مسؤولي حكومة حزب العدالة والتنمية والعناوين التي وضعتها الصحف الخاضعة لها.
كانت صحيفة” صباح”؛ أكبر الصحف الموالية لأردوغان سبق أن نشرت خبراً تحت عنوان “لا حدود في الخيانة: منظمة فتح الله غولن تتحالف مع بوتين”، في مسعىً منها للإيهام بأن حركة الخدمة تعمل لحساب قوى ودول أجنبية؛ غير أن الصحيفة نفسها وصفت عقب زيارة بوتين لأردوغان أمس استعادة العلاقات بين تركيا وروسيا بعد تدهورها بسبب حادثة إسقاط الطائرة بـ”انطلاق الربيع الثاني مع روسيا”، ما يكشف عن الأخلاقيات التي تتبعها في عملها الصحفي.
كما أن نائب حزب العدالة والتنمية الحاكم عن مدينة غازي عنتاب شامل طيار الذي سبق أن زاول المهنة الصحفية من قبلُ كان نشر تغريدة عبر حسابه الشخصي في تويتر بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية وقال فيها: “.. تسيطر عليّ رغبة في إسقاط طائرة روسية جديدة!”، لكن الشخص ذاته قال بعد الاتفاقيات المبرمة بين البلدين أثناء زيارة بوتين قال: “لقد تم التوقيع على مشروع خط “تورك ستريم” لنقل الغاز. وتركيا ستحصل على عرض روسي بشأن نظام الدفاع الجوي.. إن هذه الخطوات جميلة جداً”، على حد تعبيره.
ومن الطبيعي أن يسعى أي إنسان وراء مصالح بلاده، ولا مشكلة في الموقف الحالي للسلطة الحاكمة في تركيا، لكن المشكلة تكمن في أن هذه السلطة تبادر إلى وصم منظمات المجتمع المدني بالعمل والعمالة لدولة ما دون أي دليل عندما تكون العلاقات معها سيئة، وإذا ما واجهت صعوبات لا تغادر صغيرة أو كبيرة، بما فيها الاعتذار المخجل، إلا وتستخدمها من أجل عودة العلاقات معها متراجعة عن موقفها السابق. كما هو الحال في قضية سفينة مافي مرمرة حيث كان كثير من منظمات المجتمع المدني، منها حركة الخدمة، تدعو أردوغان والمسؤولين إلى تفعيل كل الأساليب الدبلوماسية لإرسال المساعدات إلى قطاع غزة بدلاً عن المواجهة والصراع مع إسرائيل. لكن أردوغان وأعوانه اتهموا هذه المنظمات بالصهيونية والماسونية والعمالة لإسرائيل واليهود وما إلى ذلك من الاتهامات. ثم راح أردوغان يبحث عن “طرق دبلوماسية” لتطبيع العلاقات وإرسال المساعدات، حتى مضى ينتقد منسقي رحلة سفينة مافي مرمرة، ويقول ما الحاجة إلى الإثارة في ظل وجود بدائل وطرق دبلوماسية!