أنقرة (الزمان التركية) – كان يطلق عليهم في السابق “كلاب الحرب”، أما الآن فتسمى “شركات أمن خاصة”، وهي شركات ومؤسسات من المرتزقة تتأسس بهدف تنفيذ عمليات مشبوهة بعضها معلن والآخر سري.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك شركة “بلاك ووتر” التي تأسست في الولايات المتحدة وظهر وجهها القبيح بعد غزو العراق، ومن ثم أطلقت سهامها المسمومة في العديد من مناطق العالم. وعلى غرارها ظهرت عشرات الشركات تحت مسميات مختلفة وأهداف متباينة، فكانت “سادات” SADAT هي النسخة التركية.
الشبهات التي تدور حول نشاط شركة الاستشارات الدفاعية الدولية “سادات” داخل وخارج تركيا دفعت إلى إطلاق المحللين والكُتّاب العديد من المسميات بشأنها، وتنوعت ما بين “بلاك ووتر تركيا” و”ميليشيات أردوغان” و”الحرس الثوري التركي” و”الجيش السري لأردوغان”.
عين الجنرال المتقاعد عدنان تانري فيردي، مؤسس شركة “سادات”، بوظيفة كبير المستشارين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 16 أغسطس الماضي، بالتزامن مع بدء عملية “درع الفرات” العسكرية في سوريا وبعد نحو شهر من الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا.
ودفع ذلك العديد من المواقع الإخبارية والمحللين بتركيا إلى تفسير هذا الأمر على أنه إشارة صريحة حول نيّة إعادة هيكلة الجيش التركي والأجهزة الأمنية وفق رؤى أردوغانوخطط العدالة والتنمية.
يرى الكاتب والباحث التركي بوراق بكديل في دراسته بمعهد “جيت ستون” للدراسات السياسية الدولية الأمريكي، أن “جنون الارتياب” يقود أردوغانإلى الهاوية والحرب الأهلية، وأن تعيينه تانري فيردي كبيراً لمستشاريه رغم كم اللغط الذي يحيط به، يعد دليلاً على استعداده لخوض حرب شاملة داخل تركيا ضد أي عدو يواجهه.
وأوضح بكديل أن أردوغانقد يلجأ إلى شركة “سادات” من أجل “قتال المنشقين في المستقبل داخلياً، وتدريب جهاديين للقتال في حروب أردوغان الطائفية في سوريا وغيرها، وذلك في ظل قلقه من النزعة التوسعية للشيعة في المنطقة”.
وفي تصريح خاص لـ”رصيف22″، عزا مدير تحرير صحيفة “زمان” التركية إسحاق إنجي اختيار أردوغان لتانري فيردي إلى خوفه على منصبه وقوته الرئاسية من تدخلات القوى العميقة الموجودة في تركيا منذ 150 سنة، مضيفاً: “تعد سادات القوة الوحيدة التي تتبع أردوغان بشكل كلي، ومنحها أردوغان صلاحيات لا يمتلكها الجيش التركي، وأعفاها من المساءلة القانونية”.
وحدد المدون الأشهر بتركيا المكني باسم “فؤاد عوني” مهمات شركة “سادات” في تركيا، على أنها تتلخص في ثلاث، تجري تحت مظلة دعم رئيس الدولة وفي إطار نشاط قانوني لشرطة أمنية، وهي “تدريب عناصر تنظيم داعش والجماعات التكفيرية على فنون الحروب النظامية وغير النظامية في معسكرات خاصة تابعة للشركة بعيداً عن أنظار أجهزة الاستخبارات الغربية بدعم وإشراف رئيس الاستخبارات التركية هاقان فيدان، ثانياً تنفيذ المهمات السرية القذرة التي لا تستطيع أجهزة الشرطة والجيش تنفيذها داخل أو خارج حدود تركيا، ثالثاً تشكيل قوة سرية موازية للقوات المسلحة لصد أية تحركات انقلابية داخل صفوف الجيش”.
وقال تانري فيردي خلال مشاركته في أحد البرامج الإذاعية مع المقدم الإذاعي يافوز أوغهان، إن “شركة (سادات) تولت تدريب وتأهيل عناصر الجيش السوري الحر في معسكرات داخل تركيا للمشاركة في الأعمال القتالية داخل سوريا، كما توفر خدمات التدريب والاستشارات الإستراتيجية للقوات المسلحة الرسمية في الدول الإسلامية، والتي تصل إلى أكثر من عشر دول حتى الآن”.
وحدد تانري فيردي مهمات الشركة بكونها “شركة دولية للاستشارات العسكرية تهدف إلى إعادة تنظيم الجيوش والقوات المسلحة في الدول الإسلامية التي تتعرض لتغييرات إدارية أو هيكلية، وتقديم الاستشارة الدفاعية لها، وتدريب الأفراد الأمنين والعسكريين على مستوى القيادات، وتوفير المعدات والأسلحة والآليات اللازمة في المجالات العسكرية والأمنية، عبر فرق الشركة المتخصصة والمكلفة بحماية مصالح دولتنا وسياستنا”.
كما تُعرّف الشركة نفسها على موقعها الرسمي بكونها “الشركة الأولى والوحيدة التي توفّر الخدمات الاستشارية والتدريبات العسكرية في مجال الدفاع العالمي بتركيا. وتقدم خدماتها في تنظيم وتنسيق القوات العسكرية والأمنية الداخلية والاستشارية في الخبرة الإستراتيجية بالمجالات الأمنية الداخلية والدفاعية الهادفة إلى تكوين الأوساط الدفاعية والتعاون في الصناعة الدفاعية، واحتلال العالم الإسلامي مكانته التي يستحقها بين الدول العظمى والاكتفاء الذاتي كقوة عسكرية”.
وصف موقع “هلكين بيرليجي” شركة “سادات” بكونها “جيش الرئيس” في إشارة إلى أردوغان، زاعماً أن الشركة تعد السلاح السري لحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يهدف من خلالها إلى تدريب المقاتلين الأجانب لدعم الصراع ضد الأجهزة الرسمية في بعض دول الشرق الأوسط مثل سوريا والعراق ومصر، لذلك أطلق البعض وصف “جيش أردوغان العربي السري” على هذه الشركة.
وسعت الحكومة التركية من خلال “سادات” إلى تحصين أركان السلطة ضد موجة الربيع العربي التي بدأت عام 2011، لذلك سارعت حكومة العدالة والتنمية لتأسيس الشركة عام 2012 في إسطنبول، وتشكيل جماعات شبابية مؤهلة لحمل السلاح وخوض المعارك والحروب غير النظامية.
وذهب مايكل روبين بصحيفة “نيوزويك” الأمريكية إلى وصف شركة “سادات” بـ”الحرس الثوري الإسلامي لأردوغان”، موجهاً أصابع الاتهام إليها في الكثير من عمليات اغتيال المدنيين المعارضين، وذلك في إطار خطة طويلة المدى لفرض سيطرة دينية لأردوغان على أركان الدولة.
تعرف مؤسسة المرتزقة الأشهر في العالم “بلاك ووتر”، منذ تأسيسها عام 1996، بكونها جيش من المرتزقة مرتبط بجهاز المخابرات الأمريكية، ومتورطة في الكثير من عمليات الاغتيال والانتهاكات وتهريب السلاح في مختلف دول العالم.
وترفع المؤسسة شعار “الرؤية لدعم الأمن والسلام والحرية والديمقراطية في كل مكان”، والذي من خلاله تفتح الباب لآلاف الشباب للالتحاق بالمؤسسة والمشاركة في المهمات العسكرية والأمنية داخل وخارج الولايات المتحدة وفقاً لسياسات ومصالح واشنطن، وهو ما دفع البعض إلى وصف شركة “سادات” بكونها “بلاك ووتر التركية”.
وأكدت صحيفة “صول خبر” التركية أن شركة سادات تم تأسيسها بصبغة إسلامية وتضم في هيئتها العليا عدداً من المفكرين الإسلاميين وقيادات ذات أفكار متشددة، وأن أهدافها ومقوماتها تعد نسخة مكررة من بلاك ووتر الأمريكية، إذ إن تانري فيردي معروف بأفكاره الجهادية التي تعكسها مقالاته بصحيفة “يني عقد”، وكذلك مساعديه الكاتب الصحفي عبد الرحمن ديليباك، وأحمد فاراول.
وبحسب الموقع الرسمي للشركة، تم تأسيس “شركة سادات للاستشارات الدفاعية الدولية والإنشاءات الصناعية والتجارية المساهمة بهدف تقديم الخدمة في المجالات اللازمة، ومنع الاحتياج إلى الدول الاستعمارية ذات الفكر الصليبي وخدمة التحالف الإسلامي”، وهنا تتضح جلياً الصبغة الدينية للشركة.
ومنذ تولي شركة “سادات” مهمة إعادة هيكلة الجيش التركي، تم تقليص عدد أفراده نحو 200 ألف عسكري من مختلف الأسلحة والرتب العسكرية، لينخفض العدد من نحو 561 ألفاً إلى 351 ألفاً وفقاً للبيان الصادر عن هيئة الأركان التركية في العاشر من سبتمبر الماضي، تحت مظلة قانون الطوارئ.
ويقول هاكان توره رئيس “جمعية أتاتورك القلعة الأخيرة والخطوة الأخيرة” إن “أردوغان ساعد في تأسيس شركة سادات لتكون بديلة للاستخبارات والجيش بتولي حمايته الشخصية في قصره. وأكدت في العام الماضي أن أحد معسكرات الشركة يضم نحو 15 ألفاً يتدربون على العمليات القتالية والحروب”، وهو ما يفسر قرار حل الحرس الرئاسي كليةً، واختفاء رئيس الاستخبارات هاكان فيدان عن الساحة الإعلامية عقب انقلاب 15 يوليو الماضي.
وفي 22 نوفمبر 2016 صدر المرسوم رقم 678 بشأن إعادة تنظيم القوات المسلحة، وهو يسمح للضباط وضباط الصف المتقاعدين بتولي مهمات الإشراف على تجنيد الأفراد العسكريين وطلاب الكليات العسكرية حتى عام 2020، بما يعني اختراق النظام العسكري والسماح لأفراد خارج المنظومة بإعادة تشكيل الجيش من القاعدة حتى القمة.
واعتبر المدون فؤاد عوني أن “شركة سادات تشبه في مهماتها كتائب العاصفة أو مجموعة “أس أيه” التي كانت الجناح شبه العسكري للحزب النازي لأدولف هتلر، وكانت مكلفة بالكثير من المهمات القذرة مثل الاغتيالات والتفجيرات وإشعال الاضطرابات”.
ليس من المعلوم العدد الكلي للمعسكرات التدريبية التابعة لشركة سادات، إلا أن من أهمها حسبما ذكر هاكان توره لـ”رصيف22″، معسكرها الأول في جنوب شرق تركيا، وتم إنشاؤه في منطقة ريفية على طريق دياربكر- ديفجتشيدي، ويضم الكثير من عناصر داعش و”حزب الله” التركي وعدداً من الجماعات المتشددة، ويتلقون تدريبات على فنون القتال والحروب غير النظامية على يد قائد المعسكر سادات أردوغان، الذي مكث في السجن ثلاث سنوات بتهمة انتمائه إلى “حزب الله” التركي. ويضم هذا المعسكر ثلاثة مخازن في مناطق الحدائق والغابات القريبة
كما تمتلك الشركة معسكرات أخرى في معظم محافظات جنوب وشرق ووسط تركيا مثل محافظات “بطمان وشانلي أورفا وفان”.
ويؤكد المفكر والإعلامي التركي مصطفى سيف الله كليتش، أن سادات هي “جيش العدالة والتنمية المسلح المنتشر من سوريا حتى مصر مروراً بتونس”، موضحاً أن الشركة تمتلك مركزاً للتدريبات الأولية في “يايلاداغ” في محافظة هطاي تم إنشاؤه على أراضٍ تابعة للقوات البحرية، وتتلقى عناصره تدريبات عسكرية واستخباراتية وتقنية ومهارات استخدام الآليات الحربية.