تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (الزمان التركية) – انتقد رئيس حزب الوطن اليساري التركي دوغو برينتشاك إطلاق رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو “مسيرة العدالة”، بحثًا عن العدالة الضائعة في قاعات المحاكم، زاعمًا أن القضاء التركي يعيش عصره الذهبي في الخمسين سنة الأخيرة.
يذكر أن برينتشاك المعروف بـ”عدائه الصارخ للإسلام والمسلمين” خطف الأضواء على نفسه عقب تحالفه مع الرئيس رجب طيب أردوغان وخروجه من السجن بعد أن كان قابعًا فيه في إطار قضية “أرجنكون” بتهمة السعي للإطاحة بحكومة أردوغان.
وأعلن برينتشاك دعمه للقضاء الحالي، الذي أعاد تصميمه هو بالتعاون مع أردوغان عقب إغلاق ملفات تحقيقات الفساد والرشوة في عام 2014 وإطلاق حركة تصفية شاملة في جهازي الأمن والقضاء، وأفاد أن الانتقادات التي تزعم أن القضاء التركي انهار وبات خاضعًا لسيطرة حزب العدالة والتنمية الحاكم هي انتقادات خطيرة جدا ومرفوضة.
وأثار برينشاك انتقادات عدة بعد تصريحه أول أمس أن كل القابعين في السجون التركية حاليا إما أنصار تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي أو “منظمة فتح الله غولن…”، ولذلك يمكن التغاضي عن حالات الظلم، على حد قوله.
وذكر موقع أودا تيفي (Odatv) أن برينتشاك انتقد تدشين كيليتشدار أوغلو مسيرة العدالة، مؤكدا أن القضاء التركي يعيش عصره الذهبي في الخمسين سنة الأخيرة. وأضاف برينتشاك: “هل هذا القضاء سيئ؟ أين ستجدون قضاءًا أفضل من هذا؟ هل أصبح القضاء سيئًا عندما استجوب أنصار حركة الخدمة وزج بهم في السجون؟ بل القضاء يعيش عصره الذهبي حاليًّا”، بحسب زعمه.
من هو دوغو برينتشاك؟
خطف برينتشاك الأضواء على نفسه عبر مواقفه الحساسة في اللحظات الحرجة طيلة تاريخ السياسة التركية الحديث. ومع أن نسبة الدعم التي يحصل عليها في الانتخابات ضئيلة جدًا لا تتجاوز 2%، إلا أنه تمتع حتى اليوم بنفوذ قوي في أجهزة الدولة، خاصة في أجهزة الأمن والقضاء والجيش، ولعب أدوارًا حاسمة في تلميع أو تشويه حركات ومجموعات سياسية أو مدنية، بفضل علاقاته “الغامضة” و”المثيرة” مع بؤر القوى الداخلية والخارجية.
ووصف محمد أيمور؛ رئيس شعبة مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات التركي سابقاً برينتشاك بـ”fabricator” أي مختلِق أحداثٍ من أجل إثارة البلبلة والفوضى في البلاد، في حين أن نائب رئيس المخابرات الأسبق “هرم عباس” شرح مهمة برينتشاك في كتابه تحت عنوان “التحليل” (Analiz) بقوله: “تنفيذ عمليات التصفية باستخدام طرقٍ وأساليبَ شتى ضد العناصر المستهدفة التي تشكّل عائقاً أمام تحقُّق مصالح الدولة الأجنبية التي تعمل لصالحها، والسعي للحيلولة دون تطورِ وتقدُّم تركيا، ومبادرتها إلى اتباع سياسة وطنية مستقلة بعيداً عن مصالح تلك الدولة، من خلال تنظيم أنشطةٍ وفعاليات تقود البلاد إلى حالة عدم الاستقرار المتواصلة”.
وأسّس برينتشاك أربعة أحزاب وترأسها، وهي حزب العمال والفلاحين (1978-1980)، والحزب الاشتراكي (1991-1992)، وحزب العمال (1992–2015)، وحزب الوطن الحالي (15 شباط 2015 – ؟). لكن الغريب والمريب أنه لم يتبنَّ فكرًا معينًا ثابتًا، وإنما روّج لأي فكر مهما كان، بحسب الظروف والرياح؛ فهو كان ماركسيًّا لينينيًّا ماوِيًّا في سبعينات القرن الماضي؛ وداعمًا للزعيم الإرهابي عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني في الثمانينيات؛ وقوميًّا علمانيًّا متطرفًا بعد التسعينيات! وأصدر برينتشاك صحيفة يسارية علمانية تحت مسمى “آيدينليك” (Aydınlık)، وقاد المجموعة التي تكوّنت حولها وأخذت اسمها منها. واللافت للانتباه أنه دعم في تسعينات القرن الماضي حزب العمال الكردستاني الإرهابي، وعمل على تشتيت اليسارية التركية من خلال توظيف اليسارية الكردية. حتى إنه كان يشرف على مجلة “نحو 2000” (2000’e doğru) التي تحولت إلى اللسان المتحدث باسم العمال الكردستاني. وأجر برينتشاك، الذي كان يمثل اليسارية التركية حينها، لقائين مختلفين مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الذي كان يمثل اليسارية الكردية، أحدهما في عام 1989، والآخر في عام 1991، والتطتهما عدسات آلة التصوير وهما يتبادلان الزهور فيما بينهما، في أحد المعسكرات التابعة للعمال الكردستاني، رغم أنهما يظهران اليوم العداء لبعضهما البعض، بل يعتبر أحدهما الآخر نقيضه، حيث يقدم برينتشاك نفسه في الوقت الراهن “وطنيًّا” يجاهد ضد أوجلان الذي يحاول تقسيم تركيا!
وقد عُرف برينتشاك بمواقفه المصلحية والمتقلبة، حيث لا يخفي بل يعلن أنه لا يتبني أي دين أو فكر أو توجه إيدولوجي معين؛ إذ يقف اليوم إلى جانب “المعسكر الأوراسي” بقيادة روسيا والصين، لكنه كان يدافع عن “المعسكر الغربي” بقيادة أمريكا وأوروبا أو حلف شمال الأطلسي الناتو ويصف الاتحاد السوفيتي بـ”الأمبريالي” قبل ذلك؛ ويعلي اليوم من شأن “القومية التركية” و”القضايا الوطنية”، غير أنه كان يصف من قبل تركيا بـ”الدولة المحتلة” في جزيرة قبرص التركية، ويعترف بمزاعم الإبادة الأرمنية على يد الدولة العثمانية.
برينتشاك يتنصت على أردوغان!
وفي أثناء تحقيقات الفساد الشهيرة انتشرت عشرات التسجيلات الصوتية والمصورة “غير القانونية” التي تكشف تورط أردوغان ونجله ودائرته الضيقة في الفساد والممارسات غير القانونية، إلى جانب التسجيلات القانونية / الرسمية للسلطات الأمنية عام 2013، ادعى أردوغان حينها أن حركة الخدمة هي التي تنصتت على مكالماته ونشرت هذه التسجيلات بعد تزويرها وفبركتها.
وشكل هذا الادعاء أساس كل اتهامات أردوغان ضد حركة الخدمة فيما بعد، إلا أن موقع ”الزمان التركية” نشر فيديو مدبلج إلى العربية أزاح الستار عن حقيقة هذا الأمر، حيث يعترف فيه دوغو برنتشيك بشكل علني بأنه من تنصت على مكالمات أردوغان ونشر التسجيلات الصوتية التي حصلت عليها بتنصتات غير قانونية، فضلاً عن أنه لا يزال بحوزته كثير من تلك التسجيلات الصوتية والمصورة، وغني عن البيان أنه يستخدم هذه التسجيلات للضغط والابتزاز!.
واضطر أردوغان إلى الإفراج عن برينتشاك مع مئات الشخصيات المدنية والعسكرية المحكوم عليها في إطار قضية أرجنكون في عام 2014 بعد ظهور فساد حكومته، والتحالف معه في تنفيذ “خطة القضاء على حركة الخدمة” التي أعلن برينتشيك مرارًا أنه من وضع هذه الخطة وليس أردوغان.
“أنا صاحب مشروع القضاء على حركة الخدمة”
وكان برينتشيك صرخ في وجه الكاميرات عقب خروجه من السجن قائلاً “سيرى الجميع أننا سنقتلع قريبًا جذور هادمي الجمهورية التركية، بمن فيهم الرئيس أردوغان و(الرئيس السابق) عبد الله جول وفتح الله كولن وكل الجماعات الإسلامية”.
وقال خلال حوار تليفزيوني على قناة “Akit Tv” المقربة من أردوغان “إن مشروع القضاء على حركة الخدمة لم يضعه أردوغان، بل نحن من وضعناه وهو ينفذه، لم نكن نحن من ذهب إليه، بل هو من جاء إلينا، لقد أوكلوا إليه مهمة القضاء على الثورة “الكمالية” في تركيا؛ إلا أنه ارتمى في أحضان الفكر الكمالي”، على حد قوله.