إسطنبول (الزمان التركية) – اعتقلت السلطات التركية المحامي مصطفى يامان عضو مجلس إدارة حزب السعادة الذي أسسه أبو الإسلام السياسي نجم الدين أربكان المعروف بأنه معلم وأستاذ الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان، وذلك بتهمة انتمائه لحركة الخدمة!
ومن جانبهم رد أعضاء حزب السعادة على قرار اعتقال المحامي مصطفى يامان الذي ترأس في الوقت نفسه شعبة جمعية الدراسات القانونية في إسطنبول، بتجمهرٍ أمام مبنى دار القضاء.
وقال رئيس حزب السعادة في إسطنبول بيرول آيدن إن قوات الأمن ألقت القبض على يامان عقب اجتماع مجلس إدارة الحزب الذي أجري يوم الخميس الماضي.
وأضاف آيدن: “لقد اعتقل مصطفى يامان قبل قليل. مع أن المهمة الأصلية للدولة عدم إهانة ووصم المواطنين وتصنيفهم. ولكننا نمر بمرحلة يتعرض فيها الجميع للتصنيف والتجريم من قبل الدولة. وإننا نرى أن اعتقال مصطفى يامان المعروف في عالم القانون في إسطنبول عقب اجتماع مجلس إدارة الحزب الذي يحضره مرتين أسبوعيًا، بالرغم من وجود إمكانية استدعائه لدار القضاء أو القبض عليه في بيته، أمرٌ له معانٍ كثيرة”.
الأمر اللافت للانتباه هو شن نظام أردوغان المعروف بخطاباته الدينية حملة الاعتقالات هذه المرة في صفوف حزب السعادة المنتمي إلى تيار “الإسلام السياسي” الذي أسسه الراحل نجم الدين أربكان.
لافتة جريمة “الانتماء إلى حركة الخدمة”
يذكر أن عددا لا يستهان به من المراقبين والمحللين من الداخل التركي وخارجه يرون أن أجهزة الأمن والقضاء في تركيا، التي تضم موظفين من كل الانتماءات والإيدولوجيات، لما كشفت في عام 2013 عن ممارسات الفساد والرشوة التاريخية التي تورط فيها أربعة وزراء ومجموعة من الموظفين ورجال الأعمال، بات أردوغان، الذي كان رئيس الحكومة آنذاك، في موقف حرج جدا بحيث شعر بالحاجة إلى “لافتة جاهزة” ليصف بها الكاشفين عن هذه الممارسات، من أجل إنقاذ حكومته ووزرائه ورجاله. ويشيرون إلى أنه اختار حركة الخدمة لتكون هي كبش الفداء، مرجعين سبب ذلك إلى أن هذه الحركة كانت الوحيدة “القابلة” لحملها هذا الحجم من “الاتهامات” كالانقلاب والسيطرة على كل دول العالم؛ نظرا لأنها تتمتع بقوة ونفوذ ليس في تركيا فقط بل في جميع أرجاء العالم من خلال مؤسساتها التعليمية والخيرية، فاستحدث جريمة نمطية تحت مسمى “الانتماء إلى حركة الخدمة” لإلصاقها إلى كل معارض له ليتمكن بكل سهولة من تصفيته. وهذه الأطروحة تلقتها بالقبول شريحةٌ كبيرة من مؤيدي أردوغان وعدد ليس بالقليل من المدارس الفكرية الأخرى بفضل آلة الدعاية العملاقة الرسمية.
والواقع أن أردوغان اعتبر تحقيقات الفساد والرشوة “محاولة انقلاب”، يقف وراءها ما أسماه “الكيان الموازي”، في إشارة منه إلى حركة الخدمة، ومن ثم أطلق حملة موسعة ضد كل قيادات الأمن والقضاة المشرفين على تحقيقات الفساد المذكورة، واعتقل و أقال عشرات الآلاف منهم بتهمة انتمائهم إلى هذه الحركة، دون النظر إلى الفوارق الإيدولوحية بينهم، وذلك بعد أن أعاد تصميم أجهزة الأمن والقضاء والقضاء الأعلى وأخضعها لإرادته تماما.
تكميم أفواه وسائل الإعلام
وفي هذا الإطار أمر أردوغان السلطات بالاستيلاء – قبل الانقلاب – على كل من مجموعتي “إيباك” و”فضاء” اللتين كانتا تضمّان أكثر الصحف مبيعةً وقراءةً في تركيا كصحيفة زمان وبوجون، وفرض حراسة قضائية على شركات اقتصادية ومؤسسات تعليمية بنفس التهمة وهي الانتماء لحركة الخدمة، الأمر الذي أدانه كل المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والمنظمة الدولية للصحافة والإعلام ومنظمة “مراسلون بلا حدود” وغيرها، معتبرة إياه عملية غير قانونية تستهدف تضييق الخناق على حرية الصحافة ومنعها من الرقابة على ممارسات الحكومة باسم الرأي العام.
ولما وقع الانقلاب الفاشل الذي بدأ زعيم المعارضة وكثير من الكتاب العلمانيين يصفونه بـ”الانقلاب تحت سيطرة أردوغان”، أطلق الرئيس أردوغان حملة مضادة في صبيحة ليلة الانقلاب أسماها المعارضون “انقلابا مدنيا مضادا”، أطاح في إطارها بكل القادة في المؤسسة العسكرية التي هي العلمانية والكمالية في جوهرها، وأعضاء القضاء الأعلى المنتمين إلى تيارات مختلفة، بفضل التهمة ذاتها (الانتماء لحركة الخدمة)، سواء شاركوا في الأحداث أم لم يشاركوا، وكانوا منتمين إلى الحركة أو لم يكونوا على أي صلة بها.
وتتهم المعارضة التركية والتقارير الدولية الرئيس أردوغان باستخدام تهمة “الانتماء إلى حركة الخدمة” كذريعة في مساعيه الرامية إلى إعادة ترتيب أجهزة الأمن والقضاء وتصميمها مجددًا وفق أهدافه، من خلال توظيف تحقيقات الفساد والرشوة، بعد أن كشفت تلك الأجهزة القناع عن فساد حكومته؛ وكذلك المؤسسة العسكرية من خلال استغلال محاولة الانقلاب بعد أن رصدت تلك المؤسسة علاقات حكومته المشبوهة مع المجموعات المتطرفة والإرهابية كتنظيم داعش في سوريا.