برلين (زمان التركية)ــ تناول الكاتب التركي فهمي كورو في مقال له بموقع (أحوال تركيا) أوجه الشبه بين شخصية دونلد ترامب والقائد العسكري التركي أنور باشا “بسبب ما تتسبب فيه للبلاد من معاناة حتى وإن كان العديد من صفاتها مختلفًا” في محاولة لإثبات أن الرئيس الأمريكي لديه شخصية لا تقبل النصح من الآخرين.
خرق رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان قراره بعدم الحديث فيما يتعلق بتطبيق الولايات المتحدة الأميركية “عقوبات” على تركيا، وبعد أن ذَكَّر بالمساعدات المتبادلة بين البلدين في فترة رئاسته شخصيًا وبالعلاقات التاريخية الدافئة بين الجانبين قال “لقد وقع السيد ترامب في خدعة كبيرة للغاية.”
وبالرغم من أنه ليس لدي أي أمل؛ إلا أنني ما زلت أجد أنه من المفيد أن يقرأ صناع القرار في واشنطن ذلك التصريح الأخير الذي أدلى به أردوغان قراءة متأنية.
وقلة أملي بسبب المميزات الخاصة بذلك النوع من الزعماء المسمى بـ “الشعبوي” والذي يشكل دونالد ترامب أبرز نماذجه..
إن ترامب وأمثاله يشكلون أشخاصًا لا يتميزون بالعمل على جمع العقلاء والحكماء حولهم، والإصغاء إلى أصحاب الحس السليم، وأخذ العبرة من الماضي، وهو ما نعلمه من تاريخنا الخاص أيضًا…
حاليًا أطالع الكتاب الذي صدر حديثًا باسم “موت الحقيقة: ملاحظات حول الكذب في عهد ترامب” للناقد ميتشيكو كاكو تاني الذي يكتب حول نقد الكتب في صحيفة نيويورك تايمز منذ سنوات طويلة.
على ما يبدو أنهم أحضروا هذا الكتاب الحاصل على جائزة بوليتزر إلى المكتبة التي يجري تأسيسها في المجمع الرئاسي ودققوه وفحصوه تمامًا. وذلك لأن هذا الكتاب أفضل رفيق وصديق لفهم مع من ومع أي نوع من الأشخاص يتم الحديث والحوار.
يقارن الكاتب بين ترامب وشخصية تاريخية معروفة في مواضع كثيرة من الكتاب: إنه يقارن أدولف هتلر..
وفي لقاء عقد معه شخصيًا (صدر في العدد الأخير من مجلة رولينج ستونر) وجه إلى هاركوامي سؤال أنقل في التالي جزءًا من إجابته عنه:
“ثمة أوجه شبه بين كل من الشخصيتين مثل النرجسية المعدية والولع بالمبالغة والتهويل والكذب وممارسة القمع واستغلال الناس. كما يمكن أيضًا إقامة مجموعة من المتوازيات بين مجيء هتلر إلى السلطة وصعود ترامب إلى سدة الحكم. بدءًا من تحويل الكذب إلى آلة للدعاية المفرطة إلى التلاعب بمخاوف وعواطف المستمعين إليه ومظاهر الفشل الجبانة فيما يتعلق بمواجهة السياسيين الآخرين بأسلوب ميكافيللي…”
إن هذه عبارات قاسية لا تعرف الرحمة؛ إلا أن الكتاب “موت الحقيقة” كتاب مليء بحقائق تفيد في فهم نوع الشخصية..
إن السبب في قولي أعلاه “إننا نعلم ذلك من تاريخنا الخاص” هو أن الشخصية التي ظهرت اليوم أمامنا بهوية دونالد ترامب تذكرنا بشخصية محلية كانت في الماضي، وهي تتمتع بالعديد من أوجه الشبه بسبب ما تتسبب فيه للبلاد من معاناة حتى وإن كان العديد من صفاتها مختلفًا.
أنور باشا الذي ينظر إليه معظمنا على أنه “البطل”، والذي حظي في زمانه بجمهور واسع جدًا من المعجبين والمفتونين به..
وما ذكرني به هو أن المؤرخ إلبير أورتايلي قد خصص مقالته في صحيفة حرييت هذا الأحد للحديث عن أنور باشا.
لقد فاز أنور باشا برتبه جميعها قبل كل زملائه في الصف، وصار يُشار إليه بالبنان ولما يزل في سن السابعة والعشرين من عمره ويُعرف على أنه “بطل الحرية”، لقد كان أنور باشا سياسيًا وقائدًا نال جميع ميداليات ونياشين الدولة بسبب نجاحاته العسكرية.
ولقد ختم إلبير أورتايلي فقرته التي بدأها بقوله “الخطأ الذي وقع فيه أنور باشا في حياته” هكذا:
“إن الخطأ الذي وقع فيه أنور باشا في حياته هو عدم رؤية نقطة الضعف فيمن يبدو متفوقًا عنه، وعجزه عن البحث عنها بعين ناقدة والعثور عليها. إن هذا الموقف الذي كان متوفرًا أيضًا لدى قادة الأركان المهمين في داخل مجموعة القيادة الشابة في الجيش العثماني التركي في ذلك الوقت من أمثال كاظم (قرابكير) وأسعد باشا وفوزي باشا وعلي فؤاد وبالطبع السيد مصطفى كمال سوف يتسبب في خلق فجوة بينهم وبين أنور باشا اعتبارًا من عام 1914.
سوف يستولي القادة الثلاثة (أنور وجمال وطلعت) على إدارة البلاد بواسطة حزب الاتحاد والترقي الذي أسسوه، وسوف يزجون بالبلاد في حرب عالمية سوف تنتهي بهزيمتها وخسارتها معظم أراضيها. وسوف يضطرون إلى المغادرة إلى بلاد أجنبية بعد الحرب. وسوف يتم اغتيال القائدين (جمال وطلعت) من قبل العصابات الأرمنية، أما أنور باشا فسوف يسقط شهيدًا بنيران الجنود الروس في طاجيكستان وهو في الثانية والأربعين من عمره.
فأين وجه الشبه؟
يقوم مراد برداقجي في مدخل كتابه “أنور” الغني بالوثائق بنقل تحليل شخصية أنور باشا من كتاب شريف كوبرولو -الذي كان يسبق “أنور” بعامين في المدرسة الحربية- المعنون بـ”الجيش الثالث في بداية الحرب العالمية، ومناورة حصار صارقميش ومعركتها الميدانية” والذي صدر عام 1922 على النحو الآتي:
“… إنه لم يقل في يوم قط “تُرى أليس من الممكن أن يكون ذلك الحكم المخالف لرأي صحيحًا؟” ولهذا السبب لم يستطع الخروج بعيدًا عن حدود الدائرة الضيقة علميًا وفكريًا. لقد أُحِيط أنور بـ”الهواجس والمخاوف”، فكان كحبة الجوز الصلبة تمامًا، وظل يمتلك عقلًا صغيرًا ومتحجرًا. لا تسأم عينه شيئًا، يمتلك جسارة فريدة، لا يستطع أن يثق بأحد أخر غير نفسه في الشؤون المهمة، كان مسخًا غريب الروح.
… كان أنور يرى أن حل ذلك الأمر يكون بشكل معين فحسب، ذلك الشكل هو ما يخطر ببال أنور فحسب. (…)
… وأهم نقطة أيضًا هي هوية أنور النفسية. فهل أنور هذا الشاب الشجاع والفدائي الذي احتل مكانة مهمة إلى هذا الحد في تاريخنا الثوري وخلص البلاد من تراجيديا 31 مارس مناضلًا من برلين إلى سلانيك وفعل الأفاعيل كان خائنًا وجاهلًا حقًا؟..
إن أنور ليس خائنًا. غير أنه لم يكن له نصيب بأي شكل من الأشكال من تلك السمة المهمة المعروفة باستخدام القوات استخدامًا صحيحًا المتعلقة بالقيادة العامة. وهو ما نطلق عليه نحن في لغة الشارع التركية الرجل الغادر.
… أنور جاهل. وبمعنى آخر فإن أنور عندما كان قائدًا أعلى كان يبلغ من العمر ما يؤهله لأن يكون ضابط أركان حرب ثانياً يرافق قائدًا أعلى حقيقيًا. إنه عاقل، ولكن لم يكن في البداية في سن مناسبة للنوابغ الذين خُلقوا عباقرة، في حين أن أنور لم يكن عبقريًا.
إذا كان الأمر كذلك فمن هو أنور إذن؟
لقد كان أنور مريضًا بالأحلام والخيالات، طامعًا في الشهرة. إلا أن أكثر سماته وخصائصه بروزًا وتمييزًا له أنه كان مولعًا بالثورة. لقد خلقه الله ذا شخصية لا تخاف من أي شيء قط، يعزو كل شيء إلى نفسه، ويسعى إلى السيطرة عليه، يستحقر الجميع. لقد كان كل شيء، حتى حياة البلاد، لا يساوي شيئًا في نظر أنور باشا.” (مراد برداقجي، أنور، ص 25)
من المؤكد أن ترامب ليس أنور باشا باعتبار الصفات والخصال، إلا أنه من الواضح أن هناك بعض أوجه التشابه بين نقاط الضعف في كلا الشخصيتين.
دعونا نرى إن كان ترامب سيفكر بسبب تحذير رئيس الجمهورية أردوغان في كيفية انخداعه، وسيختار لنفسه مسارًا مختلفًا؟
لقد قلت إنه ليس لدي أمل، فماذا ترون أنتم، هل سيختار لنفسه مسارًا مختلفًا؟