بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – أينما وجهنا أنظارنا سنجد الفوضى تلقي بظلالها على حياتنا في كل نطاقاتها، فمن النطاق العالمي حيث التنازع والصراع بين الدول وبين الفوضى البيئية وما ينجم عنه من اختلال في التوازن الطبيعي، إلى نطاق عالم الإنسان الداخلي من فوضى الحس والشعور والأفكار.
في الأساس يعد النظام والانسجام والتكامل موجودا في كل مكان حولنا لم تتدخل فيه إرادة الإنسان بإجحاف، فالتوازن البيئي موجود ويمكننا أن نراه بصورة واضحة، إلا أنه أيضا من الواضح لكل عاقل أن النظام والانسجام في عالم الإنسان يحتاج إلى إرادة، وكلما اختلت الإرادة الإنسانية سادت الفوضى.
ولكن الإرادة متعلقة بعالم الإنسان الداخلي ونزاعها مع رغباته وشهواته، وكلما انهزمت إرادة الإنسان في عالمه الداخلي سادت الفوضى في حياته، حتى وإن حاول أن يضع لها منطقا فإنه يظل غير كافٍ لأن النتائج النهائية تكون الفوضى.
على مر التاريخ الإنساني كان النظام والنجاح وتأسيس الحضارة مرتبطا بالضمير الإنساني ومدى يقظته، وربما لهذا السبب عندما كتب المؤرخ هنري برستيد كتابه عن الحضارة المصرية عنون كتابه بـ “فجر الضمير”. نعم إن صحوة الضمير الإنساني هي دائما بداية الحضارة المنسجمة والتي تسير في نظام واتزان وتؤسس لعدالة وحرية حقيقية.
وإن كان المميز العام لجيل Z هو عدم الشعور بالاستقرار والأمان فما هذا إلا لما يدور من حولهم من فوضى متعددة الطبقات، إلا أنه وكما يبدو فإن جيل ألفا وما ورائهم من أجيال لديهم أحلام في عالم أكثر توازنا وأكثر انسجاما. إن رهان إنسانيتنا على هذه الأجيال الصاعدة هم قادة مستقبلنا البشري، ولقد رأينا بشائر تلك الأجيال في صعود حركات تنادي بحقها في مناخ يصلح لحياتهم في المستقبل وكان قادتها من جيل ألفا.
نعم إن ما تجرعته البشرية على مدار عقود وعقود من ظلم وتعدٍّ وعد إنسانية للتعامل بين البشر كان يمثل صحوة حقيقية للضمير الإنساني. إن الإنسان في أشد الحاجة لصحوة وجدانية ليتدارك كل الأخطاء التي ما دامت الإنسانية تكررها وتكررها، فبدون تلك الصحوة سنظل ندور في حلقات مفرغة من حروب من انتهاك للإنسانية ومن انتهاك لحقوق الأجيال القادمة من أجل حسابات شخصية ضيقة.
يغمرني الأمل في أن الإنسانية ستخرج من تلك الحلقات المفرغة وتنجو بنفسها على المستوى الفردي والاجتماعي، وأنه ستشرق شمس عالم فيه الإنسان منسجم مع بيئته منسجم مع العالم حوله يستخدم إمكانياته العقلية والتكنولوجية لفتح أفاق جديدة من التوازن في عالمه الداخلي ويؤسس حضارة قوامها الضمير والحق والعدالة والمحبة.
يوما ما ستشرق تلك الأنوار على قلوبنا فننبعث من جديد نحيا بالحب والتسامح وندع خلف ظهورنا التعصبات والتشنجات، عالم التعليم والمعرفة فيه هي أعلى القيم، الإنصاف في المعاملة مبدأ راسخ فيه.
إن هذا العالم ليس حلما خياليا وليست يوتوبيا لا يمكن الوصول إليها ولكنها رؤية ممكنة، وبقدر اشتياقنا لتحقيقها سنسرع من وجودها فكل شخص منا تقع على عاتقه مسؤولية، كل شخص منا عليه أن يرجع إلى عالمه الداخلي فينظمه ويحيي ضميره وينطلق إلى آفاق عالم فكره فيطورها ويفتح آفاقا إنسانية جديدة تداوي آلام الأخرين وتربت على أكتاف المحرومين بدون تمييز، وبشعور حقيقي بالتعاطف مع كل إنسان يقبع تحت ظروف غير إنسانية حول العالم.
لعلنا في أمس الحاجة إلى الضمير وإلى إنسان الضمير..