بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – إن حياة الإنسان مليئة بأنواع مختلفة من الاختبارات، أحيانا تكون اختبارات ترتدي رداء يعجبنا، ولكن في أحيان أخرى تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وترتدي الاختبارات ألبسة قاتمة اللون وتقبل علينا متوشحة بالسواد، وقد يأتي إلى عقل الإنسان أمام مختلف هذه الاختبارات، لا سيما المصائب منها، تساؤل مفاده: لماذا تحل بي تلك المصائب المتوالية؟ فلماذا تحل المصائب ولماذا الحياة مليئة بالاختبارات؟
كتب أبو العلاء المعري الشاعر السوري قصيدته التي ألفها بمعرة النعمان يرثي فيها أحد علماء عصره يقول فيها:
تعب كلها الحياة فما أعجب
إلا من راغب في ازدياد
وعلق على هذه القصيدة عميد الأدب العربي طه حسين قائلا “نعتقد أن العرب لم ينظموا في جاهليتهم وإسلامهم ولا بداوتهم وحضارتهم قصيدة تبلغ مبلغ هذه القصيدة في حسن الرثاء”، وذلك في مؤلفه الذي عنونه بـ “تجديد ذكرى المعري”.
نعم الحياة كلها تعب ولكنه تعب ذو جدوى، فبه ينضج الإنسان، وبه يدرك مدى قدرته على التحمل، ومدى قدرته على القيام بأصعب المهام مهما واجهه من صعاب، ويدرك أيضا أن العز النفسي لا يدرك بسهولة. إن الحياة اختبارات تظهر لنا مكامن قوتنا ومكامن ضعفنا، تحل على الإنسان مصيبة المرض فيظل يظل يطلب العافية مدركا أن من خلق الداء خلق الدواء، وتصيب المرء منايا الدهر فيمن يحب، فيفهم أن الحياة عبور بين العوالم، وأنه سيذهب إلى ذلك العالم الذي انتقل إليه أعزاؤه، فما بعد الفراق سوى الوصال.
وتصيب المجتمع مصائب عامة تتزلزل الأرض من تحت أقدامهم، فيهب الإنسان لمساعدة أخيه الإنسان بعزم وقوة، وندرك أننا إخوة في الإنسانية، وأن مصدر قوتنا هو هذا التعاون في مواجهة المصائب، وتصيب المجتمعات أيضا مصيبة الجهل فيتذوقوا أنواعا مختلفة من العذاب على أيدي أشخاص وثقوا فيهم بجهلهم، وما ذلك إلا ليدرك المجتمع أن علاجه من جميع أمراضه المادية والمعنوية تتمثل في التعليم الجيد.
إن المصائب التي تحل بالإنسان تسأله أن يراجع نفسه وأن يتفكر في سنن الكون من حوله، إن تلك الاختبارات هي اللحظات التي يستوقف فيها الخالق الإنسان ليشعره بمدى نعمه عليه، فبالنقيض يتضح النقيض، وليستطيع الإنسان الفرد والمجتمع القدرة على التمييز بين حالة صحته وسقمه.
إن وسيلة الإنسان في مواجهة المصائب هي التحلي بالصبر والتمعن في معنى تلك المصائب والتوجه إلى الخالق متضرعا أن يعينه على الخلاص من تلك المصائب، ولا يكتفي بذلك بل يتتبع الأسباب حتى يتخلص مما هو فيه.
أما إذا عدنا إلى الاختبارات التي ترتدي ألبسة خداعة فعلى الإنسان أن يكون حذرا معها، فكل نعمة ينعم بها الخالق على الإنسان ينظر الحق سبحانه وتعالى إلى الإنسان هل يؤدي حقها أم يفرط فيها، يعطي الله الإنسان الصحة لينظر هل سيقوم الإنسان بأداء حق نعمته من شكر ومن مساعدة المحتاجين للمساعدة أم لا؟ ويغدق الخالق على الإنسان الرزق لينظر كيف سيصنع، هل سيقوم بأداء حقه وإقامة المعنى الذي أعطاه الله من المال من أجله من عمارة الأرض ومساعدة المحتاجين أم أنه سيكون قارونا في الأرض؟ ويعطي الإنسان العلم والمعرفة لينظر هل سيؤدي حقها ويبلغها الخلق أم أنه سيكتمها عن المحتاجين لها ويستأثر بها لنفسه فحسب؟
وإن كان لنا أن نغير من أبيات أبي العلاء المعري لقلنا
اختبارات كلها الحياة…